الفصل الثالث: استخدام الألغام
وثقت “مواطنة” خلال عام 2018، قرابة 52 واقعة انفجار ألغام أرضية في محافظات: الجوف، شبوة، صعدة، البيضاء، تعز، لحج، حجة، الحديدة، مأرب. تسببت في مقتل ما لا يقل عن 60 مدنياً، بينهم ثمان نساء و26 طفلاً، وجرح ما لا يقل عن 51 آخرين، بينهم 12 امرأة و21 طفلاً. وتقع مسؤولية زرع هذه الألغام -فيما لا يقل عن 49 واقعة -على جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين). ولم تتمكن “مواطنة” من تحديد هوية المنتهك في ثلاث وقائع.
منذ اندلاع النزاع أجهزت الألغام على حياة عشرات المدنيين، وتسببت في تشويه مئات آخرين جُلّهم من الأطفال الذين يعملون في رعي المواشي، والنساء اللاتي يوفرن احتياجات منازلهن من الحطب والماء وتعهد الحقول. وستظل الألغام المزروعة خطراً يهدد حياة ومستقبل آلاف المدنيين حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها، كما أن إصابات الألغام المضادة للأفراد مأساوية بشكل خاص، وذلك لعدم اليقين فيما يتعلق بوجود الألغام في المناطق المدنية، والخوف من آثارها، فحتى الناجون منها يصبحون عاجزين بشكل دائم، ويستلزم الأمر تقديم مساعدة طويلة الأمد للضحايا وأسرهم. كما أن الألغام تفرض كلفة نفسية كبيرة على الناجين وأقاربهم والمجتمع بأسره.
الإطار القانوني
اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام، المعروفة باسم اتفاقية حظر الألغام، حظرت استعمال وإنتاج ونقل وتكديس الألغام المضادة للأفراد. كما أن معاهدة حظر الألغام تلزم الدول بالعمل على إزالة الألغام المضادة للأفراد وتقديم المساعدة للضحايا، وقد صادقت اليمن على اتفاقية حظر الألغام في 1 سبتمبر/ أيلول 1998.
وكما تُمنع الهجمات العشوائية، ينبغي كذلك عدم استعمال الألغام الأرضية، بما في ذلك الألغام المضادة للمركبات. لا تميّز الألغام بين المدنيين والمقاتلين، فهي تستمر بقتل وتشويه المدنيين لفترة طويلة حتى بعد انتهاء النزاع. وتُعدّ الهجمات العشوائية غير المتناسبة التي تنفذ بدافع إجرامي، جرائم حرب. وتدين “مواطنة” استخدام الألغام المضادة للأفراد.
بعض الأمثلة على الوقائع:
- في يوم الجمعة 30 مارس/ آذار 2018، قرابة الساعة 9:30 صباحاً، انفجر لغم أرضي زرعه أنصار الله (الحوثيون) على طريق عفى اليتيمة، مديرية برط العنان، محافظة الجوف، قبيل انسحابها منها في ديسمبر/ كانون الأول 2017. أودى الانفجار بحياة خمسة مدنيين بينهم امرأة وثلاثة أطفال.
انفجر اللغم بسيارة “بيك أب” نوع (تويوتا) عند مرورها في طريق رملي. وبحسب مقابلات أجرتها “مواطنة” مع شهود عيان وأقارب الضحايا، فقد نزعت فرق هندسية عدداً كبيراً من الألغام في هذه المنطقة منذ انسحاب الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017، إلا أن العديد منها لا يزال هناك.
قال صالح (اسم مستعار) (35 سنة) الذي شهد الواقعة: “وصلت إلى المكان بعد نصف ساعة من الانفجار، وكانت النيران لا تزال تشتعل بالسيارة، والضحايا محترقون في الداخل” وذكر أن الضحايا هم: يحيى قائد الصلاحي (50 سنة)، وزوجته صالحة محسن (45 سنة)، وابنه همام يحيى (13 سنة)، وابنته سعادة (11 سنة)، وحفيده -ابن ابنته- صالح علي هادي (5 سنوات) [1]“. وأضاف: “تشكل الألغام خطراً دائماً علينا، هذه الألغام أصبحت تؤرق حياتنا[2]“.
- وفي يوم الأربعاء 30 مايو/ أيار 2018، قرابة الساعة 9:00 صباحاً، انفجر لغم أرضي كان قد زُرع بجوار أحد منازل قرية القوز، مديرية جبل حبشي في محافظة تعز. اللغم الذي تم تمويهه ليأخذ شكل صخرة، زرعه أنصار الله (الحوثيون) قبل انسحابها في 5 مايو/ أيار 2018 من المنطقة. جرح في هذه الواقعة امرأة وطفلان.
قال عاوف مقبل (33 سنة) أحد أفراد الأسرة: “لم يكن قد مر على عودة سكان القرية سوى ثلاثة أيام، بعد أن خرج أنصار الله (الحوثيون) من المنطقة. سمعت صوت الانفجار وتطاير الزجاج في الغرفة التي كنت نائماً فيها. خرجت من المنزل فصعقت لرؤية الطفلين سميرة توفيق مقبل صالح عبده (5 سنوات)، ورفيق توفيق مقبل صالح عبده (7 سنوات) ملقَين على الأرض بجوار زوجة أخي، ودماؤهم قد اختلطت بالتراب[3]“.
وبحسب مقابلات أجرتها “مواطنة” مع أقارب الضحايا فإن أنصار الله (الحوثيين) زرعوا ألغاماً في القرية قبل انسحابهم منها في 5 مايو/آيار 2018.
- وفي يوم الإثنين 10 سبتمبر/ أيلول 2018، قرابة الساعة 10:30 صباحاً، انفجر لغم أرضي زرعه أنصار الله (الحوثيون) عند عبور المدنيين عمران عيدروس عبدالكافي عبدالباري (24 سنة) وعلي هاشم محمد سلام (39 سنة) على متن دراجة نارية لجسر العذير، مديرية حيفان، محافظة تعز، ما أدى إلى وفاتهما. [4]
قال عارف شملان (58 سنة) متحسراً بعد فقدان ابن أخته: “خلف عمران وراءه زوجة وطفلة رضيعة فمن سيعيلهما؟!”.
وبحسب شهادات جمعتها “مواطنة” فإن أنصار الله (الحوثيون) زرعوا المنطقة بالألغام قبل انسحابهم منها في 1 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، لتتمركز على بعد نصف كيلو متر شمال المنطقة.[5]
- وفي يوم السبت 29 ديسمبر/ كانون الأول 2018، الساعة 4:30 مساء تقريباً، انفجر لغم أرضي أسفر عن مقتل 3 فتيات، زرع أنصار الله (الحوثيون) في حقول مزرعة أبو حلفة في حي الزهور الجنوبي، مديرية الحالي، محافظة الحديدة وتقع هذه المنطقة في إطار سيطرة أنصار الله (الحوثيون) منذ عام 2014.
أودت الحادثة بحياة 3 فتيات: منار محمد زوع (9 سنوات)، نورة محمد زوع (12سنة)، وسعدية أحمد شيبة (16سنة). اللاتي كنّ يجمعن الحطب في المزرعة التي تبعد عن خط المواجهة بين أنصار الله (الحوثيين) والقوات التابعة للتحالف (متمثلة بلواء العمالقة والمقاومة التهامية)، مسافة كيلو متر واحد تقريباً .
[1] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شهود عيان، تاريخ 8 مايو/أيار 2018.
[2] السابق.
[3] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع عاوف مقبل، تاريخ 30 مايو/ أيار 2018.
[4] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شهود عيان، تاريخ 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
[5] نفس المرجع السابق.