الفصل الرابع: التنقل
خلال سنوات الحرب، فرضت الأطراف المتحاربة قيودًا على حرية التنقل في اليمن، مارست الأطراف المتنازعة الانتهاكات كشكل من أشكال فرض الهيمنة والتسلط، وحتى التدابير الانتقامية التي تمارسها هذه الأطراف بحق المدنيين لأسباب مختلفة، يشوبها التمييز والتعصب إزاء خلفيات المدنيين الجهوية وانتمائهم السياسي وحتى ألقاب عائلاتهم، فضلاً عن انتهاك حق المدنيين في التنقل، بغرض الابتزاز المادي وفرض الإتاوات. وإجبارهم على دفع رشاوى، تصل أحياناً إلى مبالغ كبيرة، في الوقت الذي يكافح الملايين من أجل إطعام أنفسهم وأسرهم.
خلال عام 2018، وثقت “مواطنة” 10 وقائع طالت حق المدنيين في التنقل، سواء داخل بلدهم من قبل جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين)، والقوات والجماعات التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وللتحالف بقيادة السعودية والإمارات، وجماعات مسلحة تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، أو الحركة خارج البلاد التي يفرضها التحالف على مختلف مطارات اليمن والمعابر الحدودية. وقد قلت قدرة الناس على التحرك بحرية داخل وخارج اليمن بشكل كبير خلال النزاع، مما كان له تأثير كبير على المدنيين والحياة المدنية.
الإطار القانوني
يظل القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يوفر الحماية للحق في حرية التنقل، ساري المفعول خلال النزاع المسلح. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل فرد الحق في حرية التنقل، وفي اختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”[1].
كما ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه اليمن، على أن “لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته”[2]. على الرغم من أن العهد يجيز فرض بعض القيود على بعض الحقوق أثناء النزاع، فإنه يجب أن تكون أي قيود ذات طبيعة استثنائية ومؤقتة ومحدودة “في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع”.
يجب احترام بعض الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة، والحق في المحاكمة العادلة، والحق في عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة والحرمان التعسفي من الحرية، في جميع الأوقات، بما في ذلك أثناء النزاع. الجهات الفاعلة غير التابعة للدول، بما في ذلك الجماعات المسلحة، التي تمارس مهام مناظِرة لمهام الحكومة وتسيطر على منطقة ما، كما هو الحال مع أنصار الله (الحوثيين) في أجزاء من اليمن، ملزمة باحترام مبادئ حقوق الإنسان في الأحوال التي يؤثر سلوكها فيها على حقوق الإنسان للأفراد الخاضعين لسيطرتها.
أولاً: تعز
خضعت مدينة تعز (جنوب العاصمة صنعاء) للحصار الذي فرضه أنصار الله (الحوثيون) منذ اندلاع الحرب مارس/ آذار 2015، وفضلاً عن الأهوال والمآسي التي تجشمها سكان هذه المدينة جراء الحصار، من انعدام المواد الغذائية، وشحة مياه الشرب، والنقص الحاد في المستلزمات الطبية والدوائية؛ ونتائج هذه الحرب والحصار من انهيار النظم الخدمية، والتعليمية، والصحية[3]؛ فقد عانى سكان هذه المدينة من تجارب إنسانية قاسية، تمثلت في العناء الهائل الذي تسببه صعوبة التنقل من وإلى المدينة، فنقاط التفتيش على الحدود الشرقية للمدينة قيدت بشكل خاص قدرة الناس على التحرك بحرية.
فقد بات الوقت الذي يحتاجه أحدهم للوصول إلى مدينة تعز من الحوبان يزيد على ثمان ساعات، قبل أن يغلق أنصار الله (الحوثيون) المدخل الشرقي للمدينة، في حين كان الوقت الكافي للوصول إلى المدينة من قبل لا يتجاوز نصف الساعة. كما فرضت القوات الموالية للرئيس هادي قيودًا تعسفية على الحركة، واستغلت المدنيين عند نقاط التفتيش التي يسيطرون عليها في مناطق أخرى من تعز.
بعض الأمثلة على الوقائع
- في نهار يوم الخميس 16 أغسطس/اَب 2018، أوقفت سيارة حسين (اسم مستعار) (30 سنة) في نقطة تفتيش تابعة لأنصار الله (الحوثيين) في منطقة الأقروض، مديرية صبر الموادم ،محافظة تعز.
بينما كان حسين يؤدي عمله في نقل المسافرين من منطقتي “الحوبان” و”الدمنة” إلى مدينة تعز أمر مشرف نقطة التفتيش باحتجاز سيارته طراز (لاندكروزر موديل تويوتا 84) ومنعه من إكمال طريقه، بدعوى أن حسين تجاهل النقطة وأنه بحاجة إلى “التهذيب”. ظل السائق وسيارته قيد الاحتجاز لمدة ست ساعات، رافق هذا الاحتجاز إطلاق التهديدات والسباب من قبل المشرف الذي كان مسلحاً ويرتدي زياً مدنياً.
قال حسين: “تم احتجازي لمدة ست ساعات في نقطة التفتيش التابعة “للحوثيين”. كنا قبل أيام من يوم العيد وهو أهم موسم لنا نحن السائقين الذين نعمل في مهنة نقل الركاب. كنت أُقل أربعة ركاب من “خدير” إلى تعز، وقبل أن أصل إلى نقطة تفتيش الأقروض بما يقارب 20 متراً، قرابة الساعة 11:45 ظهراً، أوقفني جندي يرتدي زي قوات (الأمن العام) ووجه إليّ الأسئلة الروتينية: “إلى أين؟ ما الذي تحمله في السيارة؟ من هؤلاء الركاب؟ أعطني بطائقهم” ناولته البطائق فتفحصها وأعادها إليّ وابتسم وقال لي: “حسابي”. إذ يتعمد بعض الجنود في النقاط أخذ مبالغ تتراوح بين 200 ريال أو 500 إتاوة، أعطيته النقود، فأشار بيده آذناً لي بالعبور. وبعد تجاوزي نقطة التفتيش بأمتار سمعت أحدهم يصرخ بي ويشتمني ويوجه بندقيته نحو سيارتي متوعداً بأن يطلق النار إن لم أوقف السيارة فوراً”.
أطلق حسين زفرة وأكمل حديثه: “أوقفت السيارة وترجلت منها، وإذا بمن عرفت أنه مشرف نقطة التفتيش، يدنو مني غاضباً موجهاً بندقيته صوبي، تتدافع من فمه الشتائم والتحذيرات (تتجاوز النقطة يا بغل، يا حيوان، سوف أربيك). حاولت أن أشرح له الأمر، لكنه نهرني بشدة وأمرني أن ألزم الصمت. أوقف سيارتي في جانب الطريق، وأخبرني أنني وسيارتي قيد الاحتجاز، وأنه لن يسمح لنا بدخول تعز نهائياً. استقل الركاب الذين كانوا بصحبتي سيارة أخرى وغادروا، وبقيت محتجزاً هناك حتى غربت الشمس. وعند الساعة 06:00 مساءً تقريباً دنا مني أحد الجنود وقال: “لقد أُطلق سراحك، غادر”. ذهبت لأخذ الإذن من المشرف بالمغادرة، فقال: “لقد أحسنتُ تربيتك”. وأنهى حسين كلامه: “توقفت عن العمل منذ ذلك اليوم، وأجّرت سيارتي لشخص آخر كي يعمل بها في موسم العيد”.[4]
تعتبر طريق الأقروض في الوقت الحالي، حيث تم إيقاف حسين، ومنذ انقطاع جميع الطرق المؤدية إلى مدينة تعز من الجهة الشمالية الشرقية، بمثابة المنفذ الوحيد لتعز المدينة، والشريان الأساسي الذي تتدفق من خلاله البضائع والسلع الأساسية، وهي طريق غير معبدة تتسم بالوعورة والانحدار الشديد.
- و في يوم الإثنين 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، قرابة الساعة 12:00 ظهراً، منعت نقطة التفتيش التابعة لأنصار الله (الحوثيين) مرور سيارات نقل الركاب ومركبات نقل البضائع لمدة ساعتين.
قرر مسلحو الجماعة فرض دفع مبالغ مالية إضافية (جبايات) على جميع السيارات والناقلات التي تريد عبور نقطة التفتيش.
- وفي يوم الثلاثاء 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، قرابة الساعة 03:00 عصراً، قطعت مجاميع مسلحة تنتمي إلى اللواء 17 مشاة الموالي للرئيس هادي، الطريق العام لخط الضباب (المدخل الغربي لمدينة تعز)، باستحداث خمس نقاط تفتيش على مدى الطريق، ومنع مرور السيارات والشاحنات باستثناء السيارات التي يوجد على متنها نساء وأطفال. وهو خط حيوي واصل بين العديد من مديريات ريف تعز والمدينة.
وقد أطلق المسلحون الأعيرة النارية في الهواء أكثر من مرة لترهيب المواطنين وثنيهم عن المرور، بذريعة تفتيش السيارات للبحث عن فارّين ومطاردتهم. واستمر المسلحون بقطع الطريق حتى صباح اليوم التالي الأربعاء 21 أكتوبر/ تشرين الأول.
ثانياً: الإجراءات التعسفية لنقاط التفتيش على مداخل المدن الجنوبية
شهدت نقاط التفتيش الأمنية في مداخل المدن الجنوبية للبلاد خلال سنوات الحرب، نمطاً متواتراً من إجراءات التوقيف التعسفية والممارسات العدائية، التي تنتهي غالباً بمنع مواطنين يمنيين من دخول بعض المدن الجنوبية فقط لأنهم شماليون.
وثقت “مواطنة” نماذج مختلفة من هذه الاعتداءات والإجراءات التعسفية التي يمارسها مسلحون يتبعون فصائل مختلفة في جنوب البلاد، مثل الأحزمة الأمنية ومديريات الأمن في عدن ولحج، وجماعات مسلحة تتبع ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي. وتتباين الممارسات التوقيف التعسفي لساعات طويلة، وتوجيه الإهانات ذات الطابع العنصري والتمييزي، وإساءة معاملة المسافرين، واستجوابهم والتحقيق معهم، والابتزاز المالي وفرض الإتاوات وإجبارهم لدفع الرشاوى، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، وحتى إطلاق الرصاص الحي على السيارات والشاحنات، الأمر الذي يؤدي أحيانا إلى إصابة المدنيين وقتلهم.
بعض الأمثلة على الوقائع
- في يوم الإثنين 18 يونيو/ حزيران 2018، بين الساعة 11:00 صباحاً و2:00 مساءً، احتجز التحالف بقيادة السعودية والإمارات وسلطات مطار سيئون بمحافظة حضرموت جوازات رضية المتوكل (رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان) وعبد الرشيد الفقيه (المدير التنفيذي لمواطنة لحقوق الإنسان)، ثم احتجزهما قبل سفرهما في رحلة عمل وعلاج.
كان من المفترض أن تشارك المتوكل في فعالية لمركز الحوار الإنساني في أوسلو. وإلى جانب سفره بغرض العلاج، كان الفقيه في مهمة عمل للتحضير لدورة تدريبية في إطار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. أدى احتجازهما الذي وصل إلى 12 ساعة، تم خلالها نقلهما إلى مبنى الشرطة العسكرية، إلى عدم تمكنهما من اللحاق بالرحلة التي غادرت مطار سيئون في الساعة 12:30 مساءً. [5] بعد ضغوط محلية ودولية مدنية، أُطلق سراح الاثنين وسُمح لهما بالسفر خارج اليمن.
- في صباح يوم الجمعة 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قرابة الساعة 09:00 صباحاً، وعند نقطة التفتيش المعروفة باسم (الجبلين) التابعة لإدارة أمن مديرية طور الباحة– محافظة لحج، الواقعة على الخط الإسفلتي العام الرابط بين لحج وعدن. أوقف أحد الجنود حافلة نقل ركاب طراز (كوستر – 26 كرسياً)،
كانت الحافلة تقل نازحين من محافظة تعز إلى عدن. أخبر الجندي سائق الحافلة بضرورة دفعه مبلغاً مالياً (إتاوة) مقابل السماح للحافلة بالمرور. دفع السائق مبلغ 750 ريالاً، فسمح له بالمرور. غير أن أحد الجنود في نقطة التفتيش صوّب رصاصات بندقيته تجاه الحافلة التي كانت على بعد نحو 10 أمتار من النقطة. نفذت رصاصتان من هيكل الحافلة، أودت الرصاصة الأولى بحياة أنمار أحمد عبدالله (21 سنة) على الفور أمام زوجته وأطفاله، حيث أصابت الرصاصة أسفل فمه ونفذت من مؤخرة رأسه. وأصابت الرصاصة الثانية رعد أحمد محمد سيف (35 سنة) بجروح طفيفة في شفته العليا.
- وفي يوم الخميس 8 ديسمبر/ كانون الأول 2018، قرابة الساعة 05:00 مساءً. تم إيقاف حافلة نقل جماعي في نقطة تفتيش تابعة للحزام الأمني على الخط العام الرابط بين محافظتي لحج وعدن للتفتيش،
وصعد أحد الجنود إلى الحافلة لمعاينة بطائق المسافرين، توقف الجندي أمام عمرو عبدالودود محمد القدسي (28 سنة) وأمره بمغادرة الحافلة فوراً كونه شمالي ولا يحق له الدخول إلى عدن. تم احتجاز عمرو لأربع ساعات، وفي تمام الساعة 09:00 مساءً أمره مشرف نقطة التفتيش بالعودة إلى صنعاء، وظل ممنوعاً من دخول عدن حتى كتابة هذا التقرير.
قال عمرو: “أنا أعمل سائقاً بالأجر اليومي مع تاجر سيارات في عدن، إذ أقوم بنقل السيارات من ميناء عدن إلى صنعاء بغرض ترقيمها. وبعد أن أوصل السيارة إلى صنعاء، وأسلمها للزبون أعود إلى عدن عبر حافلات النقل الجماعي. هذه المرة وأنا في طريق العودة إلى عدن أنزلني أحد جنود النقطة ومنعني من مواصلة السفر إلى عدن بحجة أنني شمالي، توسلت إليه أن يسمح لي بالدخول فأنا أعمل بالأجر اليومي في عدن وهذا مصدر دخلي الوحيد. لكنه صرخ في وجهي: “أنتم شماليون، عدن ليست بلادكم[6]“.
ثالثاً: نقطة تفتيش (الفلج) محافظة مأرب
تشكل نقطة تفتيش (الفلج) في المدخل الغربي لمدينة مأرب حالة من الفزع لدى فئات مختلفة من المسافرين القادمين من صنعاء خاصة، وبعض المحافظات الشمالية بصفة العامة، إذ تمارس نقطة التفتيش هذه، التي تتبع القوات العسكرية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي، ضروباً مختلفة من الانتهاكات التي تقيد حرية التنقل للمواطنين، منها الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، ومنع مرور المواطنين بسبب ألقاب عائلاتهم وخلفياتهم الجهوية، في سلوك لا يخلو من طابع تمييزي ومتعصب.
بعد قرار قيادة التحالف بقيادة السعودية والإمارات بإغلاق مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات التجارية في يوم 9 أغسطس/ آب 2016، أصبح هناك منفذان وحيدان للمواطنين من أبناء المناطق الشمالية للسفر إلى الخارج، سواء للعلاج أو الدراسة، أو لأي أغراض أخرى، وهذان المنفذان هما مطار عدن الدولي ومطار سيئون الدولي المفتوحان في اليمن للمدنيين، الواقعان في المناطق الخاضعة لسلطة الرئيس هادي.
نقطة تفتيش (الفلج) هي إحدى النقاط التي يجب أن يعبرها المسافرون من صنعاء، والعديد من المناطق الأخرى في شمال وغرب اليمن- للوصول إلى سيئون من أجل السفر إلى خارج البلاد، غير أن السلوك التعسفي لقيادة هذه النقطة وأفرادها، والممارسات القمعية التي طالت العديد من المسافرين بحجة ألقابهم العائلية، خلق حالة من الفزع والرعب الشديد لدى الكثير من الذين بات حقهم في التنقل وحرية الحركة في حكم المحظور.
بعض الأمثلة على الوقائع:
- في يوم الخميس 14 يونيو/ حزيران 2018، قرابة الساعة 6:30 صباحاً، احتجزت القوات الحكومية التابعة للرئيس هادي، عبد الرشيد الفقيه المدير التنفيذي لـ”مواطنة” في نقطة تفتيش” الفلج” بمحافظة مأرب، وهو في طريقه إلى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت بغرض السفر إلى خارج اليمن.
أوقف السيارة أفراد يرتدون زي قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً)، وصادروا جواز سفره وهواتفه المحمولة. وطلبوا من الفقيه كلمات المرور الخاصة بهواتفه لتفتيشها بدعوى الاشتباه، وتعرض للاحتجاز التعسفي قرابة عشر ساعات دون إبداء أي أسباب قانونية.[7]
- في يوم السبت 16 يونيو/ حزيران 2018، أوقفت القوات في نقطة تفتيش (الفلج) علي عبد الملك النهاري (35 سنة) الذي كان بصحبته ابنه البالغ من العمر (9 سنوات).
كان النهاري ذاهباً لقضاء شهر رمضان في صنعاء مع أهله. بعد الإيقاف تم احتجازه واقتياده إلى سجن جهاز الأمن السياسي بعد أن أودع طفله لدى أحد معارفه في مدينة مأرب. وبحسب الشهادات التي وثقتها “مواطنة” فإن سبب احتجازه شبهة تقديمه دعماً مادياً لأنصار الله (الحوثيين).
- قال محمد (اسم مستعار) (29 سنة): “لم يعد التعسف في النقاط التي تفصل بين مناطق سيطرة أطراف النزاع يقتصر على الانتماءات والتوجهات السياسية، بل تعداه إلى حد يفرز فيه الأفراد بحسب ألقابهم العائلية. حيث تعددت حالات الاحتجاز والاختفاء في نقطة تفتيش الفلج، على المدخل الغربي لمدينة مأرب”.
وأكمل محمد: “هذه الإجراءات التعسفية جعلت فكرة السفر من مدينة إلى أخرى داخل اليمن بمثابة مغامرة قد تكون نتائجها وخيمة. أسكن في العاصمة صنعاء، ومنذ بداية النزاع في اليمن، وفقط بسبب لقب عائلتي، فقدت عدة فرص للتدريب والدراسة خارج اليمن، لم أكن أتوقع يوماً أن سلامتي الشخصية وحريتي قد تكون عرضة للخطر عند التنقل داخل اليمن فقط بسبب اسمي. لا يهتم أطراف النزاع إذا كان الفرد متورطاً فعلياً في النزاع. بل صار لقب عائلته وثيقة إدانة كافية اليوم[8]“.
رابعاً :نقطة تفتيش (أبو هاشم) محافظة البيضاء
تعد نقطة تفتيش (أبو هاشم ) سيئة السمعة، (أبو تراب) حالياً، الواقعة في المدخل الشرقي لمدينة رداع محافظة البيضاء، والتي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيون) ثقباً أسود يبتلع عشرات المسافرين عند تنقلهم من صنعاء إلى المحافظات الشرقية والجنوبية والعكس. ترتكب قوات الحوثيين في نقطة تفتيش (أبو هاشم) ممارسات تعسفية وعدائية تستهدف المواطنين تبعاً لمناطقهم الجغرافية، وأسمائهم، وتوجهاتهم السياسية. وتقع نقطة التفتيش هذه في منتصف الطريق المتجه صوب مطار سيئون الدولي، مما يُقيد حركة المسافرين إلى خارج اليمن.
بعض الأمثلة على الوقائع
- في يوم الإثنين 12 يونيو/ حزيران 2018، أوقف الحوثيون في نقطة تفتيش (أبو هاشم) محمد يحيى الشيخ (32 سنة) حين كان ينقل والده المريض (57 سنة) من صنعاء إلى مدينة سيئون في طريقه للسفر إلى القاهرة من أجل العلاج.
كان محمد ووالده برفقة طبيب، واثنين آخرين، والسائق، على متن حافلة مستأجرة طراز (هايس-تويوتا)، حين أوقفتهم نقطة تفتيش (أبو هاشم) حوالي الساعة 11:00 مساءً، واستمر الحوثيون باحتجازهم إلى الساعة 03:00 فجر اليوم التالي بذريعة الاشتباه، وقد أثر التوقيف على الحالة الصحية المتردية أصلاً لوالد محمد، الذي ما أن وصل إلى سيئون حتى تدهورت حالته أكثر، فأدخل مستشفى سيئون ليلفظ أنفاسه الأخيرة هناك قبل سفره إلى القاهرة.
قال محمد الشيخ: “احتُجزنا في هذه النقطة دون سبب، كان مشرف النقطة يقول إننا مشتبه بنا، وحين أخبرته أن والدي مريض وحالته تسوء قال لي: “ليمت.. هو ليس أغلى وأعز من المجاهدين الذين يسقطون في الجبهات”. قالها لي بكل برود ووقاحة”.
وأضاف محمد: “من حسن الحظ أن أحد الجنود في النقطة كانت تربطه علاقة قرابة مع السائق، ما دفع الجندي إلى إقناع المشرف بأن يسمح لنا بالمغادرة، وعند حوالي الساعة 03:00 من فجر اليوم التالي، سمح لنا بالمغادرة فطلبنا أوراقنا وجوازاتنا، فقال المشرف: ابحثوا عنها في الصندوق الحديدي. بحثنا لأكثر من نصف ساعة داخل ذلك الصندوق الذي كان ممتلئاً بمئات الوثائق الشخصية، وجوازات سفر، والبطاقات الشخصية، والتقارير الطبية لمئات المسافرين الآخرين. بعدها أخرج من جيبه أوراقنا وجوازاتنا وألقاها في وجوهنا وقال: غادروا فوراً[9]“.
تصحيح: تاريخ واقعة نقطة تفتيش الجبلين قد تم تحديثه ليعكس التاريخ الصحيح للواقعة.
[1] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، المادة 13.
[2] العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المادة 12، الفقرة 1.
[3] للاطلاع على بعض من معاناة هذه المدينة، انظر مواطنة لحقوق الانسان، بيان” الحصار يجهز على رمق الحياة الأخير في تعز”، أكتوبر/ تشرين الأول 2015، على الرابط : http://mwatana.org/taiz-siege/ ، وانظر أيضاً: مواطنة لحقوق الإنسان، بيان ” تعز: استمرار الحصار الخانق يحرم المدنيين بقايا الخدمة الطبية” نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 على الرابط : http://mwatana.org/taiz-unremitting-suffocating/
[4] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع الضحية، تاريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول 2018.
[5] لمزيد من المعلومات حول الانتهاك يمكنك العودة إلى بيان “مواطنة” أصدر بتاريخ 18 يونيو/ حزيران 2018، متاح على: http://mwatana.org/saudi-must-release-al-mutawakel/
[6] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شاهد عيان، تاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
[7] لمزيد من المعلومات حول الانتهاك يمكنك العودة إلى بيان “مواطنة”، صدر بتاريخ 14 يونيو/ حزيران 2018، متاح على: http://mwatana.org/al-fakih-detained/
[8] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شاهد عيان، تاريخ 10 نوفمبر/ تشرين االثاني 2018 .
[9] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شاهد عيان، تاريخ 3 يناير/ كانون الثاني 2019.