الفصل الأول :الصحافة

تصنف اليمن واحدة من أكثر البلدان فتكاً بالصحفيين خلال عام 2018[1]، إذ خضع الصحفيون والعاملون في وسائل الإعلام لأنماط شتّى من الانتهاكات والاعتداءات الإنسانية، مثل الاحتجازات التعسفية، والاختفاء القسري، والاعتداء بالضرب والإهانة، ومداهمة المقارّ الصحفية وإحراقها. وتقبع اليمن في المرتبة 167 (من أصل 180) على جدول التصنيف السنوي لمؤشر حرية الصحافة في العالم، الذي نشرته “مراسلون بلا حدود” في 2018[2].

ظل الصحفيون وحريتهم في التعبير خلال الأعوام الأربعة من الحرب هدفاً مستمراً للممارسات العنيفة والقمعية المتعمدة من قبل أطراف النزاع المحتدم في اليمن، حيث بات ما كان يمتلكه اليمنيون من مساحة مخصصة للتعبير المعارض والآراء الناقدة في حكم المحظور، والأصوات المناهضة لأيٍّ من أطراف النزاع في مناطقها  لا تتحقق إلا بكلفة فادحة لا يطيقها أحد.

وثقت “مواطنة” خلال عام 2018، ثمان وقائع انتهاك طالت 27 صحفياً ومؤسسة نشر صحفية، خمس من هذه الوقائع ارتكتبها جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون)، تتضمن احتجاز 3 صحفيين واختفاء 2 آخرين، وثلاث وقائع انتهاك في المناطق التي تخضع لسلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

إحدى هذه الوقائع شهدت اعتقال وحجز 21 صحفياً وإعلامياً كانوا يعقدون مؤتمراً حول “مواجهة خطاب الكراهية” بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وتم إطلاق الصحفيين بعد اقتيادهم إلى مقر جهاز الأمن السياسي والتحقيق معهم، وإلزام سبعة  منهم بالتوقيع على تعهد بعدم تنفيذ أي أنشطة دون إعلام الجهات المعنية.

بالإضافة إلى الحوادث المحددة الموثقة في عام 2018، وأحال أنصار الله (الحوثيون) 11 صحفياً إلى النيابة الجزائية المتخصصة، بعد ثلاثة أعوام من إخضاعهم لأنماط مروعة من الانتهاكات كالاختفاء القسري والتعذيب وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة، في حين لا يزال مصير الصحفي وحيد الصوفي مجهولاً  منذ اختفائه في صنعاء مطلع يونيو/ حزيران 2015.[3]

ويستمر الحوثيون في حجب العديد من المواقع الصحفية والإخبارية، كونها تسيطر على الشركة المزودة لخدمة الإنترنت في اليمن “يمن نت”.

الإطار القانوني

بموجب القانون الدولي الإنساني، فإن الصحفيين مدنيون لا يجوز أن يكونوا أهدافاً للهجمات ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية. ويوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان الحماية للحق في حرية التعبير. على الرغم من أنه يجوز فرض بعض القيود على عمل وسائل الإعلام في أوقات النزاعات المسلحة، فإنه يجب أن تكون هذه القيود في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، ولا يجوز اعتقال أو احتجاز أو معاقبة الصحفيين أو تعريضهم لإجراءات انتقامية بسبب ممارستهم لعملهم كصحفيين.

ويؤكد دستور الجمهورية اليمنية على التزام الدولة بالعمل بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمبادئ الدولية المصادق عليها بصفة عامة.  وراعى الدستور اليمني هذا الحق عبر نص دستوري يُقر بأن “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر والتعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة أو التصوير في حدود القانون.” [4]

بعض الأمثلة على الوقائع

  • في فجر يوم الخميس الأول من مارس/ آذار 2018، اقتحم ثلاثة مسلحين ملثمين يرتدون زياً عسكرياً مبنى مؤسسة الشموع للصحافة والإعلام بمدينة عدن.

قال نسري سعيد (38 سنة) الموظف في قسم العلاقات العامة في المؤسسة: “اقتُحم المستودع الذي كنا فيه، أشهروا بنادقهم في وجوهنا وأمرونا بالمغادرة بعد أن صادروا هواتفنا. اقتادونا إلى جانب السور الخارجي للمبنى حيث كان هناك طقم عسكري أبيض نوع (نيسان)، وعلى بُعد نحو 30 متراً منه يوجد طقم عسكري آخر لونه بيج على متنه مسلحون، أحدهم يقف على رشاش (دشكا). جلب أحد المسلحين صفيحة بنزين كانت داخل شاحنتهم العسكرية، دخل بها إلى المستودع الذي توجد فيه المطبعة، وصبّها على المطبعة وأوراق الصحف التي كانت تُطبع حينها وأضرم النار فيها”. غادر المسلحون بعد ذلك مباشرة .

وقد كان يصدر عن مؤسسة الشموع للصحافة صحيفتان يوميتان، وصحيفتان أسبوعيتان إحداهما باللغة الإنجليزية، وصحيفة شهرية.

كما تحدث إلى “مواطنة” إبراهيم عبوس (39 سنة)، نائب المدير العام لمؤسسة الشموع للصحافة والإعلام، الذي قال: “لقد تم إعطاب المطبعة بالكامل،  وخسر نحو 200 موظف وعامل وظائفهم التي كانت مصدر دخلهم الوحيد. وتعرض زميلنا وليد الشرعبي لكسور خطيرة في عموده الفقري ورجليه عند محاولة هروبه من المستودع خوفاً من الحريق، واضطر إلى القفز من ارتفاع خمسة أمتار تقريبا”.  وشهدت مؤسسة “الشموع للصحافة والإعلام” ثلاثة انتهاكات متتالية، كان أشدها إحراق مطابع المؤسسة، وفي 1 مارس/ آذار أُجبر صاحبها على إغلاقها، وطرد من مدينة عدن نهائياً.

  • في صباح يوم الأربعاء 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، داهمت خمسة عناصر مسلحة -بصحبة امرأة- يتبعون أنصار الله (الحوثيين) شقتي مصورين في بناية سكنية في العاصمة صنعاء،

اقتحمت قوات أنصار الله (الحوثيون) شقتي الإعلاميَين فؤاد الخضر (45 سنة) المصور في قناة العربية الفضائية، ومحمد عيضة (35 سنة)  المصور في قناة الحرة. في المبنى الذي يعيشون فيه في شارع القاهرة بصنعاء.

       في شهادته على ما حدث قال حمود (اسم مستعار) (34 سنة)، أحد سكان البناية: “سمعت حوالي الساعة 6:30 صباحاً طرقاً شديداً على الأبواب، وصوت تكسير وضجة وحركة، وصوت أشخاص يصعدون السلالم ويهبطون. كسروا باب شقة محمد عيضة، وكانت زوجته قد خرجت من المنزل لإيصال أولادها إلى المدرسة. فتشوا المنزل لكنهم لم يجدوا محمد، بل وجدوا شقيقه وطفله الذي لم يتجاوز سنه العامين تقريباً. اقتادوا أخا عيضة إلى خارج البناية بعد أن وضعوا الطفل في بيت الجيران”. [5] أضاف حمود: “أما شقة الخضر فقد كانت في الطابق الثالث، طرق المسلحون الباب وفتحت لهم زوجة الخضر فدخلوا مباشرة إلى غرفة النوم، واقتادوا الخضر إلى الخارج، وحين منعت زوجته المسلحين من تفتيش المنزل، فتشته المرأة التي رافقت المسلحين. ظلت البناية محاصرة بأربع سيارات فيها مسلحون حتى الساعة 11:00 صباحاً ولم يسمح لنا بالخروج حتى ذلك الوقت. ظللنا في بيوتنا أشبه بالمساجين”.

هاجمت المجموعة الخضر وعيضة وسرقت بعض ممتلكاتهم الشخصية. وقد تعرض المصوران للاختفاء القسري، ثم أطلق سراحهما بعد نحو أسبوعين من احتجازهما.

[1] مراسلون بلا حدود، تقرير “حصيلة 2018: الصحفيون القتلى والمحتجزون والرهائن والمفقودون عبر العالم” ، صفحة:9، ديسمبر/ كانون الأول 2018.

[2] https://rsf.org/en/rsf-index-2018-hatred-journalism-threatens-democracies

[3]  “مراسلون بلا حدود، تقرير”، مرجع سابق، صفحة : 21.

([4]) دستور الجمهورية اليمنية، 10 يناير/ كانون الثاني 1994، الباب الثاني حقوق وواجبات المواطنين الأساسية ، المادة رقم (42).

[5] مقابلة مواطنة مع شاهد عيان ، تاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.