الباب الأول:
النزاع في اليمن في ضوء القانون الدولي
يسري القانون الدولي الإنساني، والذي يعرف بقوانين الحرب، على النزاع المسلح الدائر في اليمن. وبالنظر إلى طبيعة الحرب الناشبة في اليمن، فقد شاركت دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات بصورة مباشرة في العمليات القتالية بجوار القوات النظامية التابعة للرئيس عبدربه منصور هادي، في مواجهة تكوينات مسلحة غير حكومية ممثلة بجماعة أنصار الله (الحوثيين)، جميع أطراف النزاع، بما في ذلك الجماعات المسلحة التابعة للدولة وغير التابعة للدولة، ملزمة بالتقيد بالقانون الدولي الإنساني. يشمل القانون الواجب التطبيق المادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكول الإضافي (الثاني) الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977، والقانون الدولي الإنساني العرفي. يظل القانون الدولي لحقوق الإنسان ساري المفعول أثناء النزاعات المسلحة.
على نحو متكرر، وجدت “مواطنة” أن العديد من العمليات القتالية خلال عام 2018، لم تلتزم بالقواعد الأساسية للقوانيين الدولية مثل “حصانة المدنيين” و”التمييز”[1]، فقد خلفت هذه العمليات المئات من الضحايا المدنيين، فضلاً عن الدمار واسع النطاق الذي لحق بالممتلكات والأعيان المدنية.
إذ يتعين على الأطراف المتحاربة اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتفادي وقوع الأذى والضرر بالمدنيين والأعيان المدنية الواقعة تحت سيطرتها من التبعات المؤثرة المترتبة على هجمات الخصم، بما في ذلك تنفيذ أعمال عسكرية من داخل المناطق الآهلة بالسكان أو على مقربة منها، أو تعمد عدم الفصل بين المقاتلين والمدنيين والأعيان المدنية، وهو أمر لا يعفي الطرف الآخر من التزامه وفق قوانين الحرب القاضية بضرورة توجيه الهجمات ضد المقاتلين والأهداف العسكرية فقط. وتقاعس أحد الأطراف عن اتخاذ الاحتياطات الممكنة لا يلغي التزامات الطرف الآخر بموجب قوانين الحرب.
كما يحظر تماماً شنّ الهجمات العشوائية[2] التي لا تميز بين هدف مدني وعسكري، وكذلك الهجمات غير المتناسبة[3] التي قد تُلحق أذىً عرضياً بالمدنيين أو الأعيان المدنية على نحو مفرط لا يتناسب والميزة النسبية العسكرية المباشرة التي كان يتوقع إحرازها من تلك الهجمات.
وتشدد قواعد القانون الدولي الإنساني لا سيما المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف فيما يخص النزاعات التي ليس لها طابع دولي تحديداً، تشدد على ضرورة توفير الحماية الدنيا لجميع الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، وعلى ضرورة أن يعامل المدنيون معاملةً إنسانية دون أي تمييز. علاوة على حظر الاعتداء على حياة الأشخاص بالقتل، أو التشويه، أو التعذيب، أو أخذ الرهائن، وضروب المعاملة القاسية المهينة والحط من الكرامة. كما يمنع القانون الدولي إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة أمام محكمة مشكّلة تشكيلاً قانونياً تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف بضرورتها[4].
كما تنص المادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف على عدد من أوجه الحماية للمدنيين، وغيرهم، مثل المقاتلين المرضى أو الأسرى الذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية. وتحظر المادة (3) المشتركة استخدام العنف ضدهم بما في ذلك القتل والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، وأخذهم كرهائن، والاعتداء على كرامتهم الشخصية. يحظر البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف، من بين أفعال أخرى، العقاب الجماعي وأعمال الإرهاب والاغتصاب، وأي شكل من أشكال الاعتداء غير اللائق، والسلب والنهب.
الدول ملزمة بالتحقيق في جرائم الحرب المزعوم ارتكابها من قبل أفراد قواتها المسلحة وغيرهم من الأشخاص الخاضعين لولايتها. ويمكن مقاضاة القادة والزعماء المدنيين من منطلق مسؤولية القيادة بتهمة ارتكاب جرائم حرب عن طريق إصدار الأوامر إذا كانوا على علم، أو كان ينبغي عليهم أن يكونوا على علم، بارتكاب جرائم حرب، واتخذوا تدابير غير كافية لمنعها أو معاقبة المسؤولين عنها. ينص القانون الدولي الإنساني على قيام الدولة بتقديم تعويضات كاملة عن الخسائر الناجمة عن الانتهاكات.
يظل القانون الدولي لحقوق الإنسان ساري المفعول أثناء النزاعات المسلحة. وثمة حقوق أساسية معينة، بما في ذلك الحق في الحياة والحق في المحاكمة العادلة والحق في عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة والحرمان التعسفي من الحرية، يجب احترامها في جميع الأوقات، بما في ذلك أثناء النزاع. الجهات الفاعلة غير التابعة للدول التي تمارس مهام مناظِرة لمهام الحكومة، وتسيطر على منطقة ما، ملزمة باحترام معايير حقوق الإنسان عندما يؤثر سلوكها على حقوق الإنسان للأفراد الخاضعين لسيطرتها.
[1] تحظر المادة 13(2) والمادة (14) من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف جعل السكان المدنيين والأعيان المدنية هدفاً لأي هجوم عسكري .
[2] تحظر المادة 51(4) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الهجمات العشوائية التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد.
[3] انظر المادة 51(5) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.