خلفية
اشتعل فتيل النزاع المسلح في اليمن على نطاق واسع إثر سيطرة جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014 عقب سلسلة من الحروب الصغيرة التي خاضتها الجماعة في صعدة والجوف وعمران شمالي صنعاء، ثم اجتياحها لبقية المحافظات وصولا الى عدن جنوبي اليمن. ودخل هذا النزاع مستوى جديداً باعلان بدء حملة عسكرية في 26 مارس/ آذار 2015، من قبل تحالف من تسع دول بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمساندة الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته. وخلال خمس سنوات سيطر التحالف والقوات والجماعات التي يدعمها على آكثر من 80% من مساحة اليمن، في حين لا يزال هادي وغالبية حكومته يقيمون في العاصمة السعودية الرياض، مع استمرار التحالف بدعم وتمكين جماعات مسلحة مناهضة لحكومة الرئيس هادي وتقوضها باستمرار حسب تقارير آممية ودولية.[1][2]
في الوقت الذي يمضي النزاع في اليمن في عامه الرابع، يتزايد كل يوم عدد الضحايا والمتضررين من هذه الكارثة الإنسانية، وأصبح إيقاف تداعياتها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أكثر كلفةً وأشد صعوبة.
وخلال عام 2018 عكست المؤشرات على الأرض استمرار الأعمال العسكرية في مناطق مختلفة من البلاد، وشهدت محافظة الحديدة غربي اليمن منذ يونيو/حزيران 2018، تصاعداً للعمليات العسكرية في مختلف جبهات القتال في الساحل الغربي وشمال غرب ووسط البلاد (ما يقارب 140 كيلو متر)، في عملية أطلقها التحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات الموالية له للسيطرة على الحديدة، وهي واحدة من أكبر التجمعات السكانية في البلاد، وفيها يقع ميناء الحديدة، أحد أكبر موانئ اليمن، والمنفذ الوحيد الذي ظل يستقبل المعونات الإنسانية والمواد الاستهلاكية التجارية التي تغطي حاجة الملايين من سكان إحدى عشرة محافظة يمنية (الحديدة، ريمة، المحويت، حجة، عمران، صعدة، صنعاء، ذمار، البيضاء، إب، وأجزاء من تعز)، والتي ما زالت خاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين). أخذت هذه المعركة النصيب الأكبر من توحش الأطراف المتنازعة ضد المدنيين، حيث أدّت المعارك إلى نزوح 81 ألف أسرة، كما استهدفت غارات جوية وبرية مستشفيات وحافلات تحمل نازحين ومزارع مواطنين وقرى، ومبانٍ، ومخازن تابعة لمنظمة الغذاء العالمي، ومصالح تجارية خاصة. وزرع الحوثيون الألغام التي وقع ضحيتها كثير من المدنيين.
وتهدد معركة الحديدة بقطع إمدادات الغذاء عن مليون طفل يمني إضافة إلى العدد الراهن، لأنها ستغلق الميناء الاستراتيجي الذي يستوعب ثلثي المساعدات الإنسانية، والمواد الأساسية التي يحتاجها اليمنيون. وأصبحت بعض مديريات وشوارع مدينة الحديدة الساحلية ساحة للقتال، ما هدد بتوقف عمل ميناء الحديدة الاستراتيجي، الذي يعدّ منفذاً لدخول 70% من واردات اليمن من السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية [3].
هذه التطورات، التي صاحَبَها أيضاً استحداث رسوم جمركية على البضائع الواردة إلى البلاد[4]، عقّدت الوضع الاقتصادي، المتدهور أصلاً، خاصة وقد صاحبها انهيار سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبية الذي وصل إلى مستويات قياسية[5]. ونتج عنه ارتفاع كارثي في أسعار المواد الغذائية.
ومع ذلك كله حدثت استثناءات بسيطة في اتجاه السلام، تحققت بجهود مستمرة من المجتمع المدني الدولي والمحلي، والأمم المتحدة، وضغوط دولية متزايدة خاصة بعد حادثة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي[6]، نتج عنها مشاورات استكهولم في السويد، وإعلان اتفاق سلام ركز على قضايا محددة جغرافياً ونوعياً، كخطوات لبناء الثقة، وهي جزء من القضايا التي وضعتها منظمات المجتمع المدني منذ عام 2017 كخطوات عاجلة لتخفيف المأساة الإنسانية في اليمن، وانتهت مشاورات “استكهولم” التي عقدت من 6 إلى 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018 بالوصول إلى تفاهمات حول قضايا حيوية ثلاث:
– اتفاق حول مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى.
– وضع آلية تنفيذية حول تفعيل اتفاقية تبادل الأسرى والمعتقلين.
– وأخيراً، إعلان تفاهمات حول تعز.
وفي 21 ديسمبر/ كانون الأول 2018، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 2451 حول اليمن، الذي أيد اتفاقات الحكومة اليمنية وأنصار الله (الحوثيين) حول مدينة ومحافظة الحديدة، وموانئ الحديدة، والصليف، ورأس عيسى، والآلية التنفيذية بشأن تبادل الأسرى، والتفاهم حول تعز، كما ورد في اتفاق ستوكهولم[7]. وقد أكد القرار الأممي رقم (2451) على الحاجة إلى ضمان انسياب الإمدادات التجارية والمساعدات الإنسانية، وتسهيل حركة تنقل موظفي الجهود الإغاثية إلى داخل البلد وفي كافة مناطقها دون أي عقبات، وحثّ حكومة اليمن والحوثيين على إزالة المعوقات البيروقراطية التي تعيق مرور التدفقات التجارية والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود.
كما وجه القرار دعوة إلى جميع أطراف النزاع إلى ضمان عمل جميع موانئ اليمن بصورة مستمرة وفعالة، والسماح بالوصول براً إلى كل أنحاء البلاد، وإعادة فتح مطار صنعاء وتشغيله بطريقة آمنة لأغراض تسيير الرحلات التجارية ضمن آلية يتفق عليها. ودعا كذلك إلى تنمية الاقتصاد الوطني، ودعم البنك المركزي، ودفع معاشات المتقاعدين، ورواتب الموظفين في الخدمة المدنية[8]. وكان القرار 2451 أول قرار أصدره مجلس الأمن بشأن اليمن منذ عام 2015.
ورغم الضغط الدولي المتزايد طيلة آشهر خلال العام 2018، لم تكن هناك مؤشرات واضحة لتراجع انتهاكات حقوق الإنسان، كما لم تمنع الجهود الأممية والدولية تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، كملمح رئيسي لعام 2018، الذي تدهورت خلاله الأوضاع الإنسانية في البلاد بشكل غير مسبوق، مهددة بانتشار المجاعة في أنحاء اليمن،[9] باستثناء التوقف النسبي للعمليات العدائية في الحديدة الذي ضمن استمرار عمل المنفذ الرئيسي لتدفق المواد الأساسية والمساعدات الانسانية لملايين المدنيين عقب اتفاق استوكهولم ٫ كنموذج للأثر الايجابي الذي يمكن آن تحققه الجهود الدولية والآممية، في حال تظافرها وتكثيفها من آجل حماية المدنيين وتحقيق السلام.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، اقترب العدد الإجمالي لمن يواجهون ظروف ما قبل المجاعة ويعتمدون بشكل كامل على المساعدة الخارجية للبقاء على قيد الحياة من اليمنيين، من 14 مليون مواطن، يشكلون تقريباً نصف عدد سكان اليمن. وحذر مارك لوكوك منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من حدوث مجاعة كبرى وشيكة في اليمن “لم يشهد مثيلها من قبل أي مهني يعمل في المجال الإنساني”[10].
وفي ذات السياق، دخل قرابة 1,25 مليون موظف من موظفي القطاع العام عامهم الثالث دون الحصول على مرتباتهم الشهرية، باستثناءات قليلة، ما عزّز وقع الأزمة الإنسانية في البلاد، ليصبح هناك ما يقارب (24) مليون مواطن يمني (من أصل 30 مليون مواطن) بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية بحسب تقارير المنظمات الأممية، مع تصاعد سطو أطراف الحرب على جانب كبير من المساعدات الإنسانية، وفرض مزيد من القيود تمنع وصولها السلس إلى مستحقيها، وبتداخل هذه العوامل، وجد اليمني نفسه وجهاً لوجه مع الموت والتجويع بشكل غير مسبوق.
في محافظتي حجة وصعدة الحدوديتين تعرض المدنيون لظروف مشابهة لما حدث في الحديدة أيضاً، فقد تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية على بعض مديريات المحافظتين. وتلقى هذه المعارك تغطية واهتماماً أقل في الإعلام الدولي مقارنة بالمعارك في المناطق الأخرى، ما يمنح القوات المتحاربة مساحة مريحة للتصرف بمنأى عن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مع الإفلات من العقاب في هذه المناطق، ويجعل من المدنيين طرائد سهلة لبنادق المتحاربين.
ما زال المدنيون في تعز يدفعون كلفة باهظة. فبالإضافة للصراع المستمر بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وجماعات المقاومة والقوات الموالية للرئيس هادي، احتدمت مواجهات مسلحة بين الجماعات المسلحة (جماعات المقاومة) التي تتنازع النفوذ والسيطرة داخل المدينة، بالتزامن مع حالة من الانفلات الأمني والفوضى. وهو ما جعل حياة المدنيين عرضة للمزيد من الانتهاكات في ظل تدهور الوضع الإنساني والحقوقي الذي تعيشه المدينة لأكثر من أربع سنوات من الصراع بين جماعة الحوثيين وجماعات المقاومة والقوات الموالية للرئس هادي، والجدير بالذكر أن مدينة تعز تُعد أحد أكثر المناطق اليمنية تعرضاً للانتهاكات التي رافقت الحرب المستعرة في اليمن من قبل مختلف آطراف النزاع، كالقصف العشوائي –بري وجوي- الذي استهدفت الأعيان الآهلة بالسكان، وكذلك زراعة الألغام من قبل جماعة الحوثيين والتي حصدت وآصابت العشرات من أرواح السكان المحليين في القرى والمديريات دون تمييز بين أطفال ومسنين ونساء.
وظلت مدينة تعز قابعة تحت وطأة الحصار، ما أجبر عشرات الآلاف من السكان على تكبد مشقة النزوح، أو البقاء فريسة للجوع والمرض في المدينة. وقد تضمن اتفاق استوكهولم الذي وقعته أطراف الحرب في اليمن على تفاهمات بشآن وقف إطلاق النار وفتح المعابر والمطار في تعز، وهدف إلى معالجة الأوضاع الإنسانية الصعبة والتوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية، إلا أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ واستمرت المعاناة كما هي دون أي تقدم نحو تطبيع الحياة في مدينة تعز.
مقابل ارتفاع وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان، تراجعت بشكل غير مسبوق قدرة المواطنين على الاحتجاج والتعبير، كما يواجه العمل المدني، والإنساني، والحقوقي، والتنموي، والإعلامي بوتيرة متصاعدة، كثيراً من الانتهاكات والقيود، جلها تتركز في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين ، حيث تنكمش كل يوم المساحة الممكنة لهذا العمل، مما يزيد من قتامة الوضع في اليمن. وذلك كله بالتزامن مع تعطيل وتقويض مؤسسات إنفاذ القانون، بما في ذلك المؤسسات العدلية الطبيعية، في غالبية مناطق سيطرة مختلف الأطراف، وهي ممارسات تفضي في نهاية المطاف إلى تمكين جماعات مسلحة من حياة ملايين المدنيين، وهو ما يخلق وضعاً تنتعش فيه انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان.
لا تزال الانتهاكات والجرائم في اليمن ومرتكبوها المحتملون في اليمن يخضعون لبعض التحقيق بشكلٍ ما. فقد أصدر فريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين المعني باليمن تقريره الأول في أغسطس/ آب 2018 الذي أشار إلى ارتكاب جميع أطراف النزاع المسلح الدائر في اليمن جرائم حرب. وفي تاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 2018، تبنى مجلس حقوق الإنسان قرار تمديد ولاية فريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين المعني باليمن. وقضى قرار مجلس حقوق الإنسان بتمديد ولاية فريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين لمدة عام، على أن يسلم هذا الفريق تقريراً كتابياً تفصيلياً شاملاً إلى المفوض السامي يعرض في الدورة 42 للمجلس في سبتمبر/ أيلول 2019.
[1][1] تقارير فريق الخبراء التابع للجنة عقوبات مجلس الأمن https://www.un.org/securitycouncil/ar/sanctions/2140/panel-of-experts/reports
[3] أطباء بلا حدود.. تدفق أعداد كبيرة من جرحى الحرب مع تصاعد حدة المعارك في محافظات الحديدة، متاح على : https://www.msf.org/ar/yemen-influx-war-wounded-fighting-intensifies-hodeidah-hajjah-saada-and-taiz
[4] الحوثيون يفرضون ضريبة إضافية على المواد في مناطقهم، من خلال استحداث منافذ تحصيل في محافظات ذمار وإب والبيضاء.
[5] وصلت قيمة الريال أمام الدولار، في أكتوبر / تشرين الأول 2018 إلى 800 ريال، مقارنة بمبلغ 380 ريال، بداية هذا العام، و215 ريال، قبل اندلاع الحرب منتصف العام 2014، وتدخل التحالف العربي فيها، في 28 من مارس/ آذار 2015.
[6] جمال خاشقجي ،صحفي سعودي معارض، قُتل في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في قنصلية بلاده في إسطنبول. وعقب إقرار السعودية بمقتله برزت ردود فعل دولية كثيفه هدفت إلى الضغط على التحالف العربي بقيادة السعودية والامارات لوقف العمليات القتاليه في الساحل الغربي والجلوس على طاولة الحوار لبدء مشاورات سلام في السويد بشأن موانئ ومدينة الحديدة المحاصرة.
[7] القرار الأممي رقم (2451)، والذي اتخذه مجلس الامن في جلسته 8439 المعقودة في 21 كانون الأول/ديسمبر 2018، متاح على : https://undocs.org/ar/S/RES/2451(2018)
[8] القرار الأممي رقم (2451)، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 8439 المعقودة في 21 كانون الأول/ديسمبر 2018، متاح على : https://undocs.org/ar/S/RES/2451(2018)
[9] أخبار الأمم المتحدة، متاح على : https://news.un.org/ar/story/2018/09/1017352
[10] الأمم المتحدة تحذر من مجاعة غير مسبوقة في اليمن، متاح على : https://news.un.org/ar/story/2018/10/1019942