بقلم:
كريستين بيكرلي وعلي جميل
نُشرت في
13 يوليو/ تموز 2022
من المقرر أن يسافر الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع. في غضون ذلك، تظل الهدنة في اليمن صامدة. و”نتيجة لذلك”، كتب الرئيس بايدن مؤخرًا، ” كانت الأشهر القليلة الماضية في اليمن الأكثر سلمًا منذ سبع سنوات”. غير أن هذه السبع الأخيرة كانت طافحة بالدمار.
“بلقيس” (اسم مستعار)، في أواخر الثلاثينيات من عمرها، تعيش في اليمن. في عام 2015 ،شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات هجمة جوية قتلت زوجها، ودمرت منزلها، وشردتها هي وأطفالها الأربعة. “كل شيء تدمر”، قالت بلقيس، “لقد فقدت كل شيء في حياتي … فقدت زوجي، الذي كان يعولني أنا وأولادي. … وفقدت المنزل الذي كان يؤويني “.
مثلت الهدنة السارية في اليمن فسحة للمدنيين الذين هم في أمّس الحاجة إليها. لكنها رغم ذلك، لا تمحو الأضرار التي ألحقتها الأطراف المتحاربة بالمدنيين طوال فترة النزاع، ولا تلامس الأعباء التي ما زال مدنيون مثل بلقيس يتكبدونها.
بماذا تدين الأطراف المتحاربة في اليمن للضحايا المدنيين؟ يحاول تقرير جديد مؤلف من 170 صفحة بعنوان “عُدنا إلى الصفر”: عن حالة جبر الضرر للمدنيين في اليمن، الإجابة على هذا السؤال. التقرير، الذي اشتركت في وضعه كلا من مواطنة لحقوق الإنسان وعيادة آللارد ك. لوونستين بكلية الحقوق في جامعة ييل، ينظر في الالتزامات القانونية الدولية للدول والجماعات المسلحة غير الحكومية بتقديم جبر الضرر في اليمن، والوعود التي قطعتها الأطراف المتحاربة بتقديم المساعدة أو الجبر للمدنيين، وأهم الآليات التي أنشأتها الأطراف المتحاربة للاستجابة للضرر الذي لحق بالمدنيين منذ بداية الصراع .‘
في القانون الدولي، ينشأ الحق في جبر الضرر من الالتزام القانوني للمنتهك بجعل الضحية المتضرر يستعيد وضعه الكامل قبل حصول الانتهاك. كان يُنظر إلى جبر الضرر قبل قرن من الزمان على أنه ينطبق على العلاقات بين الدول. اليوم، هناك اعتراف متزايد بأن الأفراد ضحايا الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان لهم الحق في الحصول على جبر عن الأضرار التي لحقت بهم.
لقد قطع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وجماعة أنصار الله (الحوثي) المسلحة وعودًا بتقديم المساعدة إلى المدنيين ضحايا انتهاكاتهم. وقد اعترفوا، خطابيا على الأقل، بأن المدنيين هم الذين يعانون ويجب أن يتلقوا المساعدة، وأن تقديم هذه المساعدة لا يمكن أن ينتظر انتهاء القتال. غير أن جبر الضرر – بمعنى اصلاح خطأ قانوني معترف به – أهملت حتى الآن من قبل الأطراف المتحاربة ولم تُعط الأولوية من قبل الدول ذات النفوذ، بمن فيها الولايات المتحدة والدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة.
منذ عام 2016 ، وعد التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، وكذلك الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بتقديم مساعدة مالية للمدنيين ضحايا جزء ضئيل من هجماتهم الجوية. في عام 2018، مباشرة قبل أن يبدأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مناقشاته السنوية حول العدالة في اليمن، أعلن التحالف والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا عن آلية لـ “مساعدة طوعية” لمنح مدفوعات تعزية للمدنيين. بحلول عام 2021 ، أوصت آلية التحقيق التابعة للتحالف، الفريق المشترك لتقييم الحوادث ، بدفع مدفوعات تعزية للضحايا المدنيين في بضعة عشرات من الهجمات الجوية.
أجرت مواطنة مقابلات مع مدنيين فقدوا أفراد عائلاتهم أو أصيبوا أو دمرت ممتلكاتهم في 20 هجمة جوية مختلفة أوصى فيها الفريق المشترك بتقديم مساعدة. اعتبارًا من عام 2021 ، قدم التحالف والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا مدفوعات تعزية في أربع فقط من هذه الهجمات. لماذا هذه الهجمات الجوية الأربع بالذات؟ لم يفسر التحالف ولا الحكومة اليمنية ذلك. بحلول عام 2021 ، أبلغت “مواطنة ” وجماعات أخرى لحقوق الإنسان وخبراء الأمم المتحدة عن مئات الهجمات الجوية للتحالف، والتي بدت العديد منها غير قانونية، و تسببت في إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين.
منذ البداية ، كان اجراء مدفوعات التعزية غير شفاف ولا فعال وأبعد ما يكون عن الشمول. تلقى بعض الضحايا المدنيين مدفوعات، ولكن وفقً جداول زمنية مختلفة تمامًا. و آخرون حصل على مبالغ، ولكن أقل من تلك التي قالت الوثائق الحكومية إنهم من المفترض أن يتلقوها. ولم يتلق البعض أي مدفوعات على الإطلاق. وأظهرت الوثائق الحكومية مخالفات، مثل الأسماء المكررة، بما في ذلك إدراج أسماء أشخاص مرتين لنفس النوع من الأذى، وتباين طرق المدفوعات في الهجمات المختلفة.
إحدى هذه الهجمات قتلت زوج بلقيس. قدم التحالف والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا مبالغ تعزية لضحايا الهجمة الجوية الآخرين، لكن بحلول عام 2021 ، لم تتلق بلقيس شيئًا. بعد الهجممة اضطرت بلقيس للانتقال مع أحد أفراد أسرتها والتسجيل للحصول على مساعدات إنسانية – تلقت بعض السكر والأرز والزيت والعدس. قالت: “لا أحد يستطيع إصلاح ما تم تدميره، [لكن] أريد منزلًا لي ولأولادي، وراتبًا شهريًا يكفيني للإنفاق عليهم [الأطفال] فقط”.
تم تأطير مدفوعات التعزية في جميع الحالات، على أنها “طوعية” و “إنسانية”. اضطر بعض الضحايا المدنيين إلى التوقيع على ورقة تفيد بأنهم تلقوا مدفوعات مقابل “خطأ” التحالف. وجاءت المدفوعات دون اعتذار أو إقرار بالخطأ.
مدفوعات التعزية وحدها ليست جبر للضرر، لكنها يمكن أن توفر مساعدة مادية فورية بعد الهجمات. وصف العديد من المدنيين الذين قابلتهم منظمة مواطنة التكاليف المادية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي تحملوها نتيجة للهجمات. لم يتلق سوى جزء ضئيل من المدنيين ضحايا هجمات التحالف مبالغ تعزية. وتم تجاهل المدنيين ضحايا أنواع أخرى من الانتهاكات ، مثل التعذيب، من قبل السعودية والإمارات وحلفائهم.
كما وعدت جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسلحة غير الحكومية بتقديم مساعدة لضحايا انتهاكاتها من المدنيين، بما في ذلك من خلال إنشاء هيئات مكلفة بسماع الشكاوى ضد الجماعة. قابلت مواطنة مدنيين ومحامين حقوقيين قدموا التماسات إلى هيئات أنصار الله للمساعدة في حالات الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري. قال معظمهم إنهم لم يتلقوا أي شكل من أشكال المساعدة التي يمكن التحقق منها على الإطلاق.
أحد المحامين قال لـ “مواطنة”: ” غلى الرغم من أن اللجنة تُسمى لجنة الإنصاف ، إلا أننا لم نجد أي انصاف منها الا لمن يمتلكون سلطة شخصية ضدهم. الإنصاف هو فقط لذوي السلطة “. و أفاد محامي آخر، “كل ما تلقيناه [من لجنة الإنصاف] كانت وعودًا لم تتحقق أبدًا…. كانت مثل اللجان السابقة “.
وجدت “ مواطنة ” أن هيئات أنصار الله ذات الصلة بالإنصاف، والمكونة من أعضاء أنصار الله، عرضت مقدمي الالتماسات للخطر، بما في ذلك تكرار الإساءة المتعلقة بالتماساتهم الأصلية. على سبيل المثال، تعريض شخص محتجز تعسفيًا لمزيد من المعاملة القاسية أثناء الاحتجاز. كما انتقمت جماعة أنصار الله من الأشخاص الذين قبلوا مدفوعات تعزية من للتحالف.
بعد أيام قليلة من تسبب أنصار الله في اندلاع حريقً مميتً في مركز احتجاز مهاجرين مزدحم أسفر عن مقتل وجرح العشرات، وعدت جماعة أنصار الله بالتحقيق وتعويض المتضررين. بدلاً من ذلك، هاجمت الجماعة بعد أيام قليلة المتظاهرين على الحريق في صنعاء. قال أحد الناجين من الحريق: “إنهم لا يعاملوننا كبشر، كلهم. لهذا السبب لا نتوقع تعويضات منهم “.
وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فأن جبر الضرر، الممنوح من خلال عملية قضائية أو إدارية أو غيرها ، يجب أن تكون متناسبة مع الضرر الذي حصل، وأن تكون كاملة وفعالة وكافية وسريعة. التعويضات تهدف إلى إعادة الطرف المتضرر، قدر الإمكان ، إلى وضعه قبل حدوث الغلط. إنها شكل من أشكال العدالة. إلى جانب مقاضاة الجناة المزعومين بارتكاب جرائم دولية خطيرة، تهدف التعويضات إلى ردع المزيد من العدوان وإعادة فرض سيادة القانون.
الآليات التي وضعها التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وجماعة أنصار الله (الحوثي) المسلحة حتى الآن غير كافية على الإطلاق لإنجاز مهمة ضمان جبر ضرر الضحايا المدنيين في اليمن، لا سيما في ضوء خطورة الانتهاكات التي ترتكبها هذه الأطراف المتحاربة وقداحة الأذى المدني الناتج عنها. لا تعمل أي آلية من الآليات القائمة بشكل فعال أو شفاف. تفتقر جميعها إلى المصداقية بشكل كبير. لم يُجري أي أحد تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة.
ليس من المستغرب أن يفشل المسؤولون عن الأخطاء الفادحة في زمن الحرب في محاسبة أنفسهم. ومع ذلك، فإن هذه الجهات الفاعلة نفسها – جماعة أنصار الله (الحوثي) المسلحة ، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وداعميها الإقليميين في السعودية والإمارات وإيران – هي التي تسعى بنشاط لإملاء شروط مستقبل اليمن. في العامين الماضيين، أعرب المدنيون في اليمن مرارًا وتكرارًا عن اعتقادهم بأن الأطراف المتحاربة كانت أكثر عرضة لتكرار أخطائها بدلاً من تصحيحها. حتى الآن، أثبتت هذه الأطراف صحة هذا الانتقاد.
منذ ما يقرب من عقد من السنين ، كان اُولئك الذين يتمتعون بسلطة ضمان أو تسهيل التعويضات، حتى في مواجهة تعنت الأطراف المتحاربة ، يطلبون من المدنيين في اليمن الانتظار. فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة له سلطة إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية و إنشاء آلية تعويضات دولية لليمن. ولكن، منذ أن تدخلت السعودية والإمارات في الحرب في عام 2015 ، لم يقتصر الأمر على فشل مجلس الأمن في اتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي في اليمن، بل إنه بالكاد أشار إلى المساءلة، ولم يذكر التعويضات بتاتا، في معرض قراراته بشأن اليمن.
في الخريف الماضي ، نجحت السعودية والإمارات في الضغط على الدول في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإلغاء تحقيق دولي كان يقدم تقريرا عن المساءلة ويوصي بها، بما في ذلك التعويضات، عن الانتهاكات في زمن الحرب. فشلت الدول حتى الآن في إنشاء آلية عدالة يمنية بديلة.
في غضون ذلك ، لم يتمكن المدنيون الجرحى من تحمل تكاليف العلاج الطبي. كما أن المدنيين الذين دمرت منازلهم لم يتمكنوا من دفع الإيجارات. وتُرك المدنيون الذين قُتل أحباؤهم دون دعم نفسي ولا اعتذار. وتتكرر الانتهاكات، طوال الوقت .
لسنوات، ظل المدنيون في اليمن يطالبون الدول باتخاذ خطوات لدعم القواعد الدولية التي تنظم الحرب، بما في ذلك من خلال تسهيل الانتصاف عندما تُنتهك هذه القواعد بشكل صارخ. بالنسبة للنزاعات الأخرى، مثل الحرب في سوريا، أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة آليات تحقيق دولية لوضع الأساس للمساءلة. يجب على الدول العمل معا بشكل عاجل لإنشاء مثل هذه الآلية لليمن.
يجب أن يكون الجبر عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين في اليمن أولوية رئيسية للدول التي تمضي قدمًا في ذلك الأمر. يجب على المجتمع الدولي أن يدعو أطرافًا محددة متحاربة في اليمن، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة أنصار الله (الحوثيين) المسلحة، إلى الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بجبر الضرر للمدنيين في اليمن. في غضون ذلك، يجب على الدول دعم التحقيقات في الأضرار المدنية وتوثيقها على المستويين الفردي والمجتمعي، والتشاور مع الضحايا المدنيين، والجماعات المحلية، والمجتمع المدني، واجراء البحوث والمناقشات رفيعة المستوى حول الأساليب الممكنة للتعويضات في اليمن، بما في ذلك إمكانية وجود آلية دولية للتعويضات.
يمثل الإخفاق في ضمان الجبر عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين في اليمن اختيارا لفرض تكاليف الحرب على الضحايا الذين لم يكن لهم أي رأي في قرار خوض الحرب ولم يلعبوا أي دور في القتال. يمكن، بل يجب، أن يقرر اليمنيون أنفسهم مستقبل ا بلادهم. لكن الدول التي تسعى إلى دعم صانعي السلام في اليمن، بدلاً من دعاة الحرب، عليها أن تدعو إلى تعويض المدنيين الذين تضرروا من كافة أطراف النزاع، من أجل أن يكون لها رأي ذي مغزى في صنع ذلك المستقبل
حول المؤلفين
كريستين بيكرلي (@K_Beckerle) هي زميلة في مركز أورفيل إتش شيل الابن لحقوق الإنسان الدولية (Orville H. Schell, Jr. Center for International Human Rights) ، ومحاضرة إكلينيكية في القانون ، وباحث مختصة مشاركة في كلية الحقوق بجامعة ييل.
علي جميل (ajmeel91@) هو مدافع من اليمن عن حقوق الإنسان. يشغل حاليًا منصب مدير المساءلة وجبر الضرر في مواطنة لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية بارزة مقرها اليمن.