الفصل الثاني عشر: هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية
استمرت الولايات المتحدة بشن هجمات في اليمن أسفرت عن مقتل وجرح مدنيين في عام 2018.
وثقت “مواطنة” ست ضربات أمريكية بدون طيار في عام 2018 أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 17 مدنياً. وجرح في هذه الهجمات أربعة آخرين، بينهم طفل، وطفل آخر، يبدو أنهم كانوا مسجلين في الجيش اليمني الحليف للولايات المتحدة، على الرغم من أن بعضهم لم يشارك في النزاع الحالي وربما كانوا مدنيين وقت الهجوم. كما أصيب عضو واحد كان ما يبدو من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وقد قعت الهجمات في محافظات شبوة والبيضاء والجوف.”
أجرت “مواطنة” أكثر من 15 مقابلة مع الضحايا وأقاربهم والشهود من المناطق التي وقعت فيها الهجمات، فضلاً عن قيامها بزيارات ميدانية وتحليل مخلفات الأسلحة.
قالت الولايات المتحدة إنها نفذت 36 هجوماً جوياً في اليمن في عام 2018، مدعيةً أن جميع الهجمات استهدفت تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن (داعش)[1]. وفي تقرير صدر عام 2019، زعمت وزارة الدفاع مرة أخرى أنها لم تقتل أي مدني في اليمن في عام 2018[2].
الإطار القانوني
في حالة النزاع المسلح، فإن القانون الدولي الإنساني هو من ينظم استخدام القوة. على نحو ما تمت مناقشته أعلاه، فإنه يجب على الأطراف المتحاربة القيام بالهجمات وفقاً لمبادئ التمييز والتناسب واتخاذ الاحتياطات والإنسانية.
ويجب على الأطراف المتحاربة التمييز في جميع الأوقات بين الأهداف العسكرية والمدنية والامتناع عن شن الهجمات التي يُتوقع أن تلحق أضراراً بالمدنيين إلى درجة تعتبر فيها مفرطة الأثر مقارنة بما تحققه من مزايا عسكرية ملموسة ومباشرة متوقعة، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنبها، وفي جميع الأحوال، للتقليل إلى أدنى حد من الخسائر العرضية في أرواح المدنيين ومن الإصابات في صفوف المدنيين والإضرار بالممتلكات المدنية. يشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، القيام بكل ما هو ممكن للتحقق من أن الأهداف هي أهداف عسكرية.
وقد يفقد المدنيون وضع الحماية الذي يتمتعون به خلال الفترة التي يشاركون فيها بشكل مباشر في الأعمال القتالية.
وعندما يكون هناك شك في احتمال استهداف شخص ما، فإنه يجب على الطرف المحارب افتراض أن هذا الشخص قد لا يكون مستهدفاً. ولا يكفي الانتماء إلى جماعة متطرفة أو العضوية فيها لجعل الشخص مستهدفاً. وخارج إطار النزاع المسلح، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان هو من ينظم استخدام القوة المميتة.
إن الحق في الحياة هو حق أساسي منصوص عليه في العديد من معاهدات حقوق الإنسان. وحظر الحرمان التعسفي من الحياة هو قاعدة قطعية.
بعض الأمثلة على الوقائع
- في يوم السبت الموافق 27 يناير/ كانون الثاني 2018 قرابة الساعة 12:00 من منتصف الليل ضربت طائرة بدون طيار -يعتقد أنها أمريكية- سيارة دفع رباعي لونها أسود في قرية المصنعة (مديرية الصعيد) بمحافظة شبوة، وقتلت جميع الرجال السبعة الذين كانوا فيه.
السيارة يملكها صالح محمد بن علوية (49 سنة)، حين كان برفقته ستة أشخاص جميعهم مدنيون، في طريقهم للبحث عن طفل مفقود لهم منذ أيام. وقتل جميع الرجال السبعة في السيارة.
قصفت الطائرة بدون طيار السيارة عند وصولها إلى منطقة سرع، في الطريق إلى قرية المصينعة (مديرية الصعيد)، ضربتهم طائرة بدون طيار بصاروخ أدى إلى مقتل جميع من كان في السيارة بمن فيهم صالح، وهم سبعة أشخاص. وإلى جانب السائق قُتل كلٌ من: زياد صالح محمد بن علوية (20 سنة)، خالد فرج محمد بن علوية (37 سنة)، علي فرج محمد بن علوية (34 سنة)، نبيل سالم باعدلان (40 سنة)، مبارك محمد صالح حديج (41 سنة)، نجيب محمد صالح لصمع (25 سنة). ووفقًا للشهادات، كان كل الرجال السبعة مدنيين. ولم تجد “مواطنة” أي دليل موثوق به على أن أيًا من الرجال كان مرتبطًا بأي جماعة مسلحة متطرفة.
قال جمال صالح بن علوية العتيقي (24 سنة) وهو من سكان المنطقة: “بعد أن اختفى محمد ابن صالح (14 سنة) من قريته ذهب أبوه وبعض أقاربه للبحث عنه”. وأضاف جمال: “قصفت طائرة بدون طيار السيارة بصاروخ أدى إلى مقتل جميع من فيها بطريقة وحشية. كانوا جميعاً أبرياء لا تربطهم علاقة بأي تنظيمات خارجة عن القانون، فقد كان منهم سائق الأجرة، والمعلم، والجندي، والطالب الجامعي، والنحّال. لديهم جميعاً عائلات وأطفال يعولونهم. استهدافهم بتلك الطريقة كانت جريمة”.[3]
قال أحمد علي العارب الطوسلي (40 سنة) وهو أحد أقارب الضحايا: “في تمام الساعة 12:00 من منتصف الليل في أثناء مرور سيارة الدفع الرباعي الخاصة بصالح محمد بن علوي بمنطقة سرع بالقرب من منطقة المصنعة، في مديرية الصعيد، في محافظة شبوة، تم قصفهم بطائرة أمريكية بدون طيار أدّت بشكل مباشر إلى مقتل جميع من كان عليها، وتفحم الجثث وتحول الجميع إلى أشلاء.[4] ”
- في يوم الخميس الموافق 8 مارس/ آذار 2018 وفي تمام الساعة 03:00 عصراً استهدفت طائرة أمريكية بدون طيار سيارة تويوتا لاند كروزر (بيك آب)، ما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الستة، بينهم طفل كان في الداخل.
أصابت الغارة السيارة بشكل مباشر، وأدت إلى مقتل كل من كان على متنها، واحتراق الأسلحة الشخصية للضحايا، وتدمير السيارة بالكامل. أسفر الهجوم عن مقتل ستة أشخاص -بينهم طفل- من آل الوحير، وهم: محسن بن علي هادي الوحير (52 سنة)، حزام عبدالله سعيد الوحير (40 سنة)، شاجع عبدالله سعيد الوحير (32 سنة)، محمد عبدالله سعيد الوحير (37 سنة)، مهدي سعيد عبدالله الوحير (15 سنة)، وعبدالله بن حسن حمد حريدان (22 سنة)، في منطقة خب والشعف في محافظة الجوف، وهم جميعاً من أبناء قبيلة المهاشمة، كانوا في منطقة صحراوية في طريقهم إلى العبر في محافظة حضرموت.
وتؤكد الشهادات التي جمعتها “مواطنة” في المنطقة أن الضحايا لم يكونوا منتمين إلى أي تنظيم جهادي في المنطقة، حيث قتل ستة أفراد من آل الوحير، وقد أكدت القيادة الأمريكية الوسطى حصول غارة في هذا اليوم في المنطقة، لكنها لم تذكر تفاصيل عن سببها، أو الهدف الذي تم استهدافه، وما إذا تم العمل باستراتيجية أوباما حول “شبه اليقين” في تنفيذ الضربات[5] . .
قال عبدالله بن سعيد الوحير (72 سنة) وهو شيخ القبيلة: “تركنا بلادنا (المهاشمة) وجئنا إلى صحراء الرويك نازحين، كونها آمنة وبعيدة عن الحرب. لكننا لم ننل شيئاً من الأمن الذي كنا نبحث عنه. استهدفت طائرة أمريكية بدون طيار ستة أفراد من أُسرتنا، كان منهم ثلاثة من أبنائي واثنان من أحفادي، جميعهم قتلوا بطريقة بشعة”. وأضاف عبدالله: “أستطيع أن أُؤكد لك أنهم جميعاً أبرياء، كانوا مواطنين صالحين يعولون أُسرهم الكبيرة، ومنهم سائقو الشاحنات وعاملون.[6] ”
إن استمرار الغارات في المنطقة، واستمرار سقوط مدنيين بهذا الشكل يضع كثير اً من الأسئلة حول ماهية الإجراءات التي تتبعها الإدارة الأمريكية عند تنفيذ مثل هذه الغارات، حيث إنه ليس من المعروف حتى الآن إذا كان قد تم تنفيذ أي نوع من إجراءات المساءلة والتحقيق في هذه الغارة التي سقط فيها مدنيون.
قال سنان عبدالله الوحير (36 سنة) وهو أخ ثلاثة من الضحايا: “عندما وصلنا إلى مكان الحادث أُصبت بصدمة وانهارت أعصابي من بشاعة المنظر الذي تمنيت الموت قبل أن أراه. هذه الجريمة وبهذا الحجم لم تحصل في حياتنا لأحد من قبائل الجوف”. وأضاف: “أصبحت حياتنا وحياة أطفالنا ونسائنا في خطر مستمر من هذه الاعتداءات المتكررة في حق الأبرياء دون وجه حق، وإذا استمر سكوتنا ستتكرر ضربات الطائرات وتستمر بهذا الشكل في ظل خذلان الحكومة اليمنية”.[7]
لم تجد “مواطنة” أي مؤشر موثوق به على أن أياً من هؤلاء القتلى كان مرتبطاً بأي جماعة متطرفة مسلحة. كان الرجال يحملون أسلحة دمرتها الضربة. من الشائع أن يحمل الأشخاص في المناطق القبلية في اليمن أسلحة شخصية.
وفقاً لاثنين من أقاربهما، كان محمد ومحسن سائقي شاحنات، ينقلان سلع ومواد الإغاثة من السعودية إلى اليمن. وكان حسام وشاجع يعيشان ويعملان في السعودية، في حين أن عبدالله ومهدي (طفل) كان قد تم تجنيدهم كحرس حدود في اللواء الأول للجيش اليمني الذي يتبع قوات الرئيس هادي. أكدت القيادة المركزية الأمريكية أنها نفذت هجوماً في الجوف في 8 مارس/ آذار، لكنها لم تقدم أي تفاصيل بشأن الهدف المقصود، ولا عن أي أضرار في صفوف المدنيين ناتجة عن ذلك.
تحديث: لقد قمنا بتحديث هذا القسم لتوفير المزيد من التوضيح بشأن تركيبة الإصابات الناجمة عن غارات الطائرات بدون طيار التي وثقتها “مواطنة” في عام 2018.
[1] القيادة المركزية الأمريكية تعلن مستجدات الغارات الجوية لمكافحة الإرهاب في اليمن، متاح على:
[2] وزارة الدفاع، التقرير السنوي عن الإصابات في صفوف المدنيين فيما يتعلق بالعمليات العسكرية للولايات المتحدة، متاح على:
[3] مقابلة أجرتها مواطنة لحقوق الانسان. تاريخ 10 فبراير/ شباط 2018.
[4] مقابلة أجرتها مواطنة لحقوق الإنسان. تاريخ 10 فبراير/ شباط 2018.
[5] خطاب ألقاه الرئيس أوباما حول معايير وضوابط تنفيذ غارات الطائرات بدون طيار، كلية الدفاع الوطني، واشنطن، 23 مايو/أيار.
[6] مقابلة أجرتها مواطنة لحقوق الانسان. تاريخ 16 مارس/ آذار 2018
[7] مقابلة أجرتها مواطنة لحقوق الإنسان. تاريخ 16 مارس/آذار 2018.