الفصل السابع: التعذيب

خلال عام 2018 وثقت “مواطنة” 62 واقعة تعذيب، منها ما لا يقل عن 45 واقعة ارتكبتها قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية والشبوانية (القوات الإماراتية بالوكالة)، وقوات موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي هادي في خمس محافظات: أبين، شبوة، تعز، عدن، حضرموت. كما وثقت “مواطنة” تعذيب 11 صياداً، بينهم طفل، في مدينة جازان السعودية، بعد اعتراضهم ونقلهم من قبالة سواحل ميدي بمحافظة حجة.

وقد أفضت أربع وقائع تعذيب إلى وفاة 4 ضحايا على الأقل، تتحمل جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) المسؤولية في وفاة ضحيتين في محافظة الحديدة، فيما تقع المسؤولية في وفاة الضحيتين الأخريين على القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والقوات الإمارتية بالوكالة في محافظتي تعز وشبوة.

وتحققت “مواطنة” أيضاً من ممارسة الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية للتعذيب، مستخدمة الضرب المبرح بالهراوات والقضبان المعدنية، والركل، واللطم، والحرق، والإيهام بالغرق. على الرغم من تكرار التعذيب الوحشي يلاحظ أن الجناة من كل الأطراف يفلتون تماماً من العقاب، ويُحجِم الضحايا في الغالب عن تقديم دعوى قضائية إما لغياب الثقة في القضاء، أو الخوف من التعرض لانتقام السلطات المنتهكة.

بينما تم توثيق 17 واقعة ارتكبها أنصار الله (الحوثيون) في خمس محافظات يمنية هي: صنعاء، تعز، الحديدة، إب، صعدة مستخدمة أساليب منها: الضرب بالهراوات والألواح والعصي الحديدية، والصعق بالكهرباء، ونزع الأظافر، والاحتجاز المطول والمعزول فيما يسمى بالضغاط (غرفة 1*1متر)، ورفع الضحية بالسلاسل وتعليقه بين الأرض والسقف، وتقطيع الجسد، وصب محاليل كيميائية على الجروح تُسبب نوبات تشنج، وتعليق أوزان ثقيلة على الأعضاء التناسلية.

الإطار القانوني

التعذيب محظور في جميع الظروف وفي جميع الأوقات، بما في ذلك أثناء النزاعات، وهو حظر أساسي، ولا شيء يبرره. تنص المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على وجه التحديد على حماية الأشخاص المحتجزين، ويشمل ذلك المدنيين والمقاتلين الأسرى، من “الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب” و”الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطّة من الكرامة”.

يشكل التعذيب والمعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة الشخصية جرائم حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية. عند ارتكابه كجزء من هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين، فإن التعذيب يشكل جريمة ضد الإنسانية.

كما يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان التعذيب في جميع الظروف وفي جميع الأوقات. وتحدد اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة سلسلة من المقتضيات على الدول لمنع التعذيب، والتحقيق فيه والملاحقة القضائية بشأنه، وضمان سبل الانتصاف. صادقت اليمن على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 1991.

بعض الأمثلة على الوقائع

  • في منتصف شهر يونيو/ حزيران 2018، تهجم ثلاثة مسلحين يتبعون مشرفاً ميدانياً لأنصار الله (الحوثيين) على عبدالله سلطان (39 سنة) واقتادوه على متن سيارتهم إلى مبنى جهاز الأمن السياسي بمدينة إب، حيث تم احتجازه وإساءة معاملته.

 

عندما وصل علي عبد الله سلطان إلى جهاز الأمن السياسي في إب، وجد المشرف الميداني هناك يرافقه اثنان من المسلحين، فباشروه بالضرب والركل والإساءة، ثم تم احتجازه لمدة 40 يوماً تعرض في 30 يوماً منها للتعذيب على يد القائمين على مقر الاحتجاز.

يعتقد سلطان أنه اعتُقل رداً على تقديم شكوى ضد مسؤولي أنصار الله (الحوثيين) لسوء معاملتهم منذ حوالي عامين. وحسب شهادته، فإنه ما زال يتحمل تبعات شجار مع أحد مشرفي الجماعة قبل ما يقارب العامين على خلفية سبٍّ وقذف لبنات قريته. ففي 24 ديسمبر/ كانون الثاني 2016، بعد فترة وجيزة من الخلاف، اعترض طريقه مسلحون يتبعون ذات المشرف الحوثي الساعة 5:00 عصراً في نقطة تفتيش السياني بمحافظة إب، ونقلوه على متن حافلة تفاجأ بوجود المشرف الذي تجادل معه فيها، وتعرض على متن الحافلة لأشكال من الضرب المبرح، والطعن بأدوات حادة، ورُمي في سائلة منطقة القاعدة فاقداً الوعي.

لم يفق سلطان إلا في مستشفى القاعدة حيث أسعفه سائق دراجة نارية حين تهجّم مسلحون ينتمون إلى الجماعة على المستشفى، واقتادوه إلى مكتب أنصار الله (الحوثيين) في مديرية السياني، محافظة إب. ولم يخلَ سبيل عبد الله  إلا بعد أربعة أيام من  احتجازه.

قال سلطان بعد كل ما حدث: “تلقيت نصيحة بأن أسلم تقاريري الطبية للجنة المظالم التابعة لجماعة الحوثيين، ففعلت مجبراً، بعد أن تعرضت للمضايقات لمدة سنة. وبعد يومين من تقديم الشكوى، اقتادني ثلاثة مسلحين إلى مبنى جهاز الأمن السياسي، فوجدت المشرف الذي قدمت شكواي ضده عند بوابة المبنى. دعاني في المساء للتحقيق ووضعني في السجن، ونسب إليَّ تهمة التجنيد لصالح المقاومة. قمت بالرد على التهمة بأن قضيتي هي شجار قديم معه، فضربني مسلحون وسحبوا قدميّ برافعة إلى علو تسعة أمتار، وأنزلوني بعدها إلى برميل ممتلئ بالماء[1]“. وأضاف: “تعرضت لأشكال مروعة من التعذيب منها استخدام الأدوات الحادة، وأدوية تسبب تشنجاً في الأعصاب، ومنعي من استخدام دورة المياه[2]“.

  • في يوم الثلاثاء 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قرابة الساعة 4:00 عصراً، اعترضت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات 11 صياداً، بينهم طفل، كانوا على متن قواربهم بالقرب من جزيرة سحر قبالة سواحل ميدي، محافظة حجة.

أفاد ثلاثة من الصيادين أن ثلاثة مسلحين يرتدون ملابس مدنية على متن زورق بحري، أطلقوا أعيرة نارية في السماء ليجبروهم على الإبحار صوب جزيرة مجاورة تسمى جزيرة “الفشت” ليبيتوا فيها ليلة، ثم نُقلوا إلى مدينة جازان السعودية معصوبي الأعين، وهناك تعرضوا لثلاثة أيام للضرب والتعذيب والمعاملة المهينة.

قال عثمان أبكر (24 سنة): “فور وصولنا إلى جازان، استدعوني للاستجواب قبل رفاقي. اتهموني بأنني أرصد مواقع قوات التحالف لصالح أنصار الله (الحوثيين) وقاموا بتعذيبي بالضرب بشتى الوسائل لمدة ساعة في ذلك اليوم. واجه رفاقي بعدي نفس المصير، واستمروا في تعذيبنا على انفراد وبشكل جماعي بهذه الصورة لمدة ثلاثة أيام[3]“.

الطفل خالد (اسم مستعار) (15 سنة)، قال في شهادته: “لم يرحموا صغر سني، قاموا بتعذيبي وضربي بجميع الأساليب، وبعد جلسات التعذيب كانوا يجبروننا على الجلوس جلسة القرفصاء ومن يخالف ذلك يضرب ضرباً مبرحاً[4]“.

وقال عبده إبراهيم ( 21سنة)، الذي حصل على النصيب الأكبر من التعذيب: “تعرضت لتعذيب بشع، كان جسمي ينزف دماً، وبعد ذلك جاء أحد القائمين على مركز الاحتجاز وقال: “فحصنا  قواربكم وتبين أنكم فعلاً صيادون”. نُقلنا بعدها إلى غرفة تصل مساحتها إلى ما يقارب 50 متراً مربعاً، وأبلغونا أنهم سيطلقون سراحنا بعد خمسة أيام، وأُطلق سراحنا في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018[5]“.

  • وفي يوم الخميس 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، نحو الساعة 11:00 مساءً، اعتقلت قوات النخبة الشبوانية سرحان صالح بوشمل (28 سنة) في مديرية ميفعة، محافظة شبوة. وقد عُذّب لمدة يومين في معسكر الحوطة بمديرية ميفعة إلى أن فارق الحياة.

قال درهم محمد (اسم مستعار) (41 سنة): “تشاجر سرحان مع أحد منتسبي معسكر الحوطة التابع لقوات النخبة الشبوانية، وفي اليوم التالي جاءت عربة عسكرية على متنها خمسة جنود، بالإضافة إلى قائد المعسكر، إلى منزل سرحان واقتادوه إلى المعسكر. مضت ثلاثة أيام على احتجازه حتى توفي مساء الأحد السابعة مساءً بتاريخ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، ولوحظت آثار التعذيب على جسده [6]“.

 تصحيح: تاريخ واقعة سرحان صالح بوشمل قد تم تحديثه ليعكس التاريخ الصحيح للواقعة.

[1] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع عبدالله سلطان، تاريخ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

[2] السابق.

[3] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع عثمان أبكر، تاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

[4] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع أحد الضحايا، تاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

[5] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع عبده إبراهيم، تاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

[6] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شهود عيان، تاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.