الفصل السادس: الاختفاء القسري

خلال عام 2018، وثقت “مواطنة” ما لا يقل عن 203 واقعة اختفاء قسري، منها ما لا يقل عن 112 واقعة حدثت في المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعات مسلحة موالية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات والرئيس عبد ربه منصور هادي، في محافظات عدن، والجوف، ولحج، وتعز، ومأرب. و91 واقعة أخرى حدثت في مناطق خاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) في الحديدة، وتعز، وصنعاء، وإب، وحجة.

عانى مئات المدنيين من ويلات الاختفاء القسري المطول، وفي الغالب تخفي أطراف النزاع المدنيين قسرياً بدوافع الاشتباه بانتسابهم إلى قوات معادية، أو بسبب انتماءاتهم أو آرائهم السياسية. ومن الواضح أن أحد مسببات انتشار الاختفاء القسري هو استمرار أطراف النزاع في ممارسة الاحتجاز التعسفي دون رادع. وتتجاوز آثار الاختفاء القسري الضحايا لتطال عائلاتهم وأصدقاءهم، والمجتمع برمته، ببثّ الرعب والخوف بينهم.

الإطار القانوني

يحدث الاختفاء القسري عندما تحتجز السلطات شخصاً ما وتنكر احتجازه، أو لا تفصح عن مصيره أو مكان وجوده. يكون الأشخاص “المختفون” عرضة بشكل أكبر لخطر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، خاصة عندما يتم احتجازهم في مرافق احتجاز غير رسمية.

يُحظر الاختفاء القسري أثناء النزاع. وتنتهك حالات الاختفاء القسري أو تهدد بانتهاك مجموعة من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي المنطبقة على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على حد سواء، بما في ذلك حظر الاحتجاز التعسفي والتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية والقتل. يتعين على الأطراف المتنازعة اتخاذ خطوات لمنع حالات الاختفاء أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، بما في ذلك تسجيل المحتجزين، ويجب أن تُتخذ جميع التدابير الممكنة لمعرفة مصير الأشخاص المفقودين نتيجة للنزاع وتزويد أفراد أسرهم بمعلومات عن مصيرهم.

بموجب نظام روما الأساسي، المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، تشكل الممارسة المنهجية للاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية. وأخذ الرهائن أو ضبط أو احتجاز شخص ما والتهديد بقتلهم أو إصابتهم أو الاستمرار في احتجازهم لإجبار طرف ثالث على القيام أو الامتناع عن القيام بفعل شيء كشرط للإفراج عنه أو من أجل سلامته، يعدّ أيضاً جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي.

لا يجرّم القانون اليمني الاختفاء القسري على هذا النحو، ولم تصدق الدولة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ومع ذلك، فإن المبادئ الدستورية والقانونية المنصوص عليها في الدستور اليمني فيما يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك ما يتعلق بالاحتجاز التعسفي والتعذيب، يبدو أنها تحظر هذه الممارسة. ينبغي على اليمن التصديق على الاتفاقية ومواءمة القانون المحلي مع أوجه الحماية المنصوص عليها فيها.

بعض الأمثلة على الوقائع

  • في مطلع شهر يناير/ كانون الثاني 2018، احتجز رجال أمن تابعين للمقاومة الشعبية جاؤوا على متن طقم عسكري وسيارة “بيك آب” طراز تايوتا، عاملة نظافة عمرها (37سنة).

أخذها الرجال من مقر عملها في مركز طبي، في مدينة الحزم، محافظة الجوف، واقتادوها إلى سجن جهاز الأمن السياسي في المدينة. وبحسب مقابلات أجرتها “مواطنة” مع شهود عيان فإنها اعتُقلت بتهمة التخابر لصالح أنصار الله (الحوثيين).[1]  فيما لم يتمكن أهلها من زيارتها وما زالت مختفية قسراً حتى لحظة كتابة التقرير.

 

  • في يوم السبت 27 يناير/ كانون الثاني 2018، في الساعة 5:00 فجراً، اختطف مجهولون زكريا أحمد محمد قاسم (55 سنة) في طريقه لأداء صلاة الفجر في مسجد الفرقان، مديرية المعلا، محافظة عدن.

وبحسب مقابلات أجرتها “مواطنة” فإن أربعة مسلحين، كانوا يستقلون سيارة (نوع هيونداي) وحافلة (نوع تويوتا)، اعترضوا طريق زكريا وأجبروه على الركوب معهم مطلقين النار في الهواء. واتجهت السيارتان إلى مقرّ قوات مكافحة الإرهاب الموالية للإمارات في مديرية التواهي.

قال نجل زكريا، يحيى (18 سنة): “حرّرنا في الصباح بلاغاً في مركز الشرطة عن اختطاف مسلحين لوالدي، ولكن لا فائدة، لا نعرف حتى الآن أين والدي”. [2] ولم يكشف عن مصير زكريا منذ ذلك الوقت.

  • في يوم الأربعاء 6 يونيو/ حزيران 2018 قرابة الساعة 6:00 مساءً، اعتقل أنصار الله (الحوثيون) سمير أدهم (31 سنة) من مسجد قرية محضة، مديرية الصفراء، محافظة صعدة.

قالت والدته (51 سنة): “أخبرني ابني يومها أنه لا ينوي تلبية دعوة مشرف أنصار الله في المنطقة له للعشاء، فشجعته على الذهاب علّنا نحصل على سلة غذائية أو معونة مالية، ولكن المساء حلّ ولم يعد سمير، حاولت الاتصال به ولكن هاتفه المحمول كان مقفلاً[3]“.

وذكرت والدته أن أحد الشهود العيان جاءها مسرعاً لينبئها باحتجاز ابنها، وقال: “أخذوا سمير من مسجد القرية على متن سيارة بيك أب موديل تويوتا، واتجهوا به إلى مدينة صعدة واتهموه أنه يستلم مخصصات مالية من مناطق خاضعة لسيطرة الرئيس هادي[4]“.

وأضافت: “كان سمير يعمل بالأجر اليومي في إحدى مزارع الطماطم، كان معيلنا الوحيد. خدعوه بدعوة العشاء، لقد أحرقوا قلبي عليه[5]“. ولا يزال سمير مختفياً قسرياً منذ ذلك الحين.

  • وفي يوم الجمعة 10 أغسطس/ آب 2018، قرابة الساعة 4:30 عصراً اختطف مسلحان بزيٍّ مدني يتبعان لواء الصعاليك الموالي للرئيس هادي بشير خالد (اسم مستعار) (18 سنة) من جولة المسبح، مديرية القاهرة، محافظة تعز.

بحسب مقابلات أجرتها “مواطنة” مع أهالي الضحية، فقد استغل بشير الذي كان يعمل سائقاً لدراجة نارية الهدوء النسبي للمدينة خلال فترة الاشتباكات التي دارت بين فصائل المقاومة خلال الفترة 8-12 أغسطس/ آب 2018 ليوفر الاحتياجات الأساسية لأسرته. وكان آخر ظهور له في جولة المسبح، وبحسب شاهد عيان، طلب منه مسلحان يرتديان زياً مدنياً أن يوصلهما إلى مكان ما.

قالت شقيقة بشير، سوسن خالد (اسم مستعار) (19 سنة): “مضت بضع ساعات بعد خروج بشير من مكان إقامتنا، فشعرنا بالقلق. خرجت مع والدي نبحث عنه فلم نجد له أثراً. بحثنا عنه في معتقلات الجيش لقيادة محور تعز واللواء 22 ميكا وأقسام الشرطة، ولكن لا جدوى[6]“.

تابعت سوسن: “تلقيت اتصالاً هاتفياً بعد أسبوع من اختفائه، قال لي فيه المتصل الذي أُفرج عنه للتو أنه كان محتجزاً مع أخي وآخرين في سجن سرّي يتبع لواء الصعاليك في نيابة الأموال العامة[7]“.

ولا يزال بشير مختفياً قسراً حتى كتابة هذا التقرير.

ذُكرت واقعة 10 أغسطس 2018 عن طريق الخطأ على أنها في “مديرية صالة”.

[1] مقابلات مواطنة لحقوق الإنسان مع شهود عيان، تاريخ 28 و 30 مارس/ آذار 2018.

[2] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شقيقة الضحية، تاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

[3] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع والدة الضحية، تاريخ 19 يوليو/ تموز 2018.

[4] السابق.

[5] السابق.

[6] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شقيقة الضحية، تاريخ 29 أغسطس/ آب 2018.

[7] السابق.