الفصل الخامس: الاحتجاز التعسفي
خلال عام 2018، وثقت مواطنة لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 224 واقعة احتجاز تعسفي، تتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيون) مسؤولية ما لا يقل عن 132 منها في 11 محافظة يمنية (إب، تعز، أمانة العاصمة (صنعاء)، حجة، صعدة، عمران، الحديدة، محافظة صنعاء، ذمار، المحويت، البيضاء). وتتحمل قوات موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والمقاومة الشعبية المسؤولية في 59 واقعة في محافظات: مأرب، تعز، الجوف، حضرموت. كما تتحمل قوات الأحزمة الأمنية والنخب الحضرمية والشبوانية (القوات الإماراتية بالوكالة) والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب وقوات الطوارئ والأجهزة الأمنية وقوات ألوية الدعم والإسناد، تتحمل جميعاً المسؤولية في 33 واقعة في محافظة عدن، لحج، شبوة، أبين، وحضرموت.
وأظهرت الحرب أسوأ وجوهها في ممارسات الاحتجاز التعسفي التي ارتكبت في حق الضحايا المدنيين من قبل أطراف النزاع، حيث تعرض المئات خلال عام 2018 للاحتجاز التعسفي والحرمان من حقوقهم الأساسية منذ لحظة الاحتجاز. إذ ينفذ الاحتجاز دون مذكرة قضائية، أو إبلاغ الضحايا بأسباب الاحتجاز. وقد تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون والطلاب وأفراد الأقليات الدينية للاحتجاز التعسفي في اليمن، ويصبح الاحتجاز التعسفي بوابة لسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة في حرمان الضحايا من الوسائل اللازمة للدفاع عن أنفسهم من التهم المنسوبة إليهم خارج نطاق القضاء، كالاختفاء القسري، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة. ولم يعد الكثيرون في اليمن يتوقعون محاكمة عادلة، على افتراض أنها لن تمنح.
وخلال عام 2018 أُطلق سراح قرابة 24 محتجزاً تعسفياً ممن وثّقت “مواطنة” قضاياهم، أُفرج عن بعضهم بفضل متابعة فريق وحدة الدعم القانوني في “مواطنة” لقضايا المحتجزين.
الإطار القانوني
يحظر كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان الاحتجاز التعسفي. إذ يُحظر الاحتجاز التعسفي أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، كما أن قانون حقوق الإنسان واضح بشأن الحظر. تنص عدة معاهدات على أنه لا يجوز إخضاع أحد للاحتجاز أو الاعتقال التعسفي. تنص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تعتبر اليمن من الدول الموقعة عليها، على أنه “لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه”.
ذكرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أنه لا يجوز للدول الاحتجاج بحالة الطوارئ لتبرير الاحتجاز التعسفي. ومن الضروري أن يكون هناك سبب وجيه لكل من الاحتجاز الأولي واستمرار هذا الاحتجاز.
لمنع الاحتجاز التعسفي، هناك التزام بإبلاغ الأشخاص بأسباب احتجازهم، وتقديمهم على الفور إلى القاضي، وإتاحة الفرصة لهم للطعن في قانونية احتجازهم.
والدستور الذي يضم الضمانات الأساسية لإجراءات العدالة الجنائية، يحدد أيضاً أنه “على النائب العام أن يوجه الاتهام إلى أي شخص يتم اعتقاله على ذمة جريمة خلال 24 ساعة”، وأن “القضاة وحدهم يحق لهم تمديد أمر القبض لما يتجاوز فترة الأيام السبعة الأولى”. وينص قانون العقوبات اليمني أيضاً على فرض عقوبة السجن لفترة تصل إلى خمسة أعوام بحق المسؤولين الذين يحرمون الأشخاص من حريتهم بالخطأ.
بعض الأمثلة على الوقائع:
- في صباح يوم الإثنين 23 أبريل/ نيسان 2018، قدم شخصان يرتديان زياً مدنياً وينتميان إلى لواء 35 الموالي للرئيس هادي إلى منزل خلدون (اسم مستعار) ( 28سنة) في منطقة الصلو، محافظة تعز، واعتقلوه .
أخذ عناصر اللواء 35 خلدون من منزله، واقتادوه إلى مقر اللواء الكائن في “بير باشا” غربي مدينة تعز، ولم توجّه تهمة واضحة لخلدون غير الاشتباه بانتمائه إلى أنصار الله (الحوثيين). قال شقيق خلدون، سمير (اسم مستعار) (36 سنة): “كلفني الأمر 4 ساعات ومبلغاً لا بأس به من المال لنصل أنا ووالدتي إلى مقر اللواء 35، وعند وصولنا سمحوا لوالدتي فقط بزيارته. خرجت والدتي وهي لا تستطيع التوقف عن البكاء. ومن حينها وهي تعود إلى البكاء كلما تذكرت ولدها ما أثر بشكل واضح على نظرها وصحتها”.
أثر الاحتجاز على سمير أيضاً الذي أضاف: “زرت أخي مرة أخرى في شهر يونيو/ حزيران مدة خمس دقائق، وكان بجوارنا مسلحون، فسألته عن وضعه وعن مساحة الزنزانة المحتجز فيها فرد عليّ أن مساحتها متران، وأنه محتجز فيها مع شخص آخر، وقال لي إنه تعرض للضرب بالأيدي من قبل المحققين، ولم أتمكن من الحديث معه أكثر من ذلك بسبب وجود المسلحين.”[1]
وقد تم الإفراج عن خلدون في 10 ديسمبر /كانون الأول 2018.
- وفي عصر يوم الأحد 10 يونيو/ حزيران 2018، احتجزأنصار الله (الحوثيون) تعسفياً سعيد محمد (اسم مستعار) (19 سنة) من مديرية فرع العدين، محافظة إب.
قال صالح (اسم مستعار) (18 سنة) شقيق الضحية: “قدمت عربة عسكرية تتبع أنصار الله (الحوثيين)، على متنها مسلحون بلباس مدني وآخرون بلباس عسكري، وعرض المسلحون على شيخ القرية قائمة من أسماء المطلوبين للاستجواب لدواعٍ أمنية. شملت القائمة اسم أخي، سألت الشيخ لماذا جاؤوا في طلب أخي فقال إنها مجرد إجراءات اعتيادية[2]“.
أكد صالح أن عمل أخيه في محافظة مأرب، التي تخضع لسيطرة قوات موالية للرئيس هادي، كان سبب احتجازه، وقال: “نعم، أخي يعمل في مأرب، لكنه عامل بناء. نحن أبناء ريف، لم نحصل على فرصة في التعليم. أنصار الله يضايقوننا لمجرد أننا نحاول العثور على عمل خارج الحدود التي رسموها لنا [3]“.
أضاف صالح: “عمل أخي سعيد لمدة ثلاث سنوات في محافظة مأرب وعاد ليحتفل بعرسه، لكنهم اعتقلوه قبل أن ينهي شهر العسل[4]“.
وقد أفرج عن سعيد في 11 أغسطس /آب 2018 .
- في يوم الجمعة 27 يوليو/حزيران عند حوالي الساعة 04:00 فجراً، أقدم مسلحون يرتدون زياً عسكرياً وآخرون يرتدون ملابس مدنية كانوا على متن ستة أطقم تابعة للشرطة العسكرية، على احتجاز 8 أشخاص من عائلة في تعز.
داهمت الشرطة العسكرية منزل هبة علي (اسم مستعار) (34 سنة)، في مدينة النور، مديرية المظفر، محافظة تعز، واعتقلتها وأخواتها الأربع، ووالدتها، ووالدها، وأخاها الصغير، وتم اقتياد الجميع إلى مقر الشرطة العسكرية في منطقة المرور، بمحافظة تعز.
أدخل المسلحون المعتقلين كلاً على حدة إلى غرفة التحقيق، حيث استجوبهم الضابط المحقق، وتم تفتيش محتوى هواتفهم المحمولة، وبعد ذلك أمر الضابط أفراده بأخذ والد هبةه والعودة به إلى المنزل مره أخرى لتفتيشه. لم تفضي علمية التحقيق والبحث عن شيء يُدين أفراد الأسرة فتم الإفراج عنهم جميعاً عدا هبه ، التي ظلت محتجزة في مقر الشرطة العسكرية لقرابة 7 أيام إلى أن أُحيلت إلى السجن المركزي بمدينة تعز، لتقضي ما تبقى من أيام احتجازها فيه حتى يوم الإفراج عنها في 20 أغسطس/آب 2018.
قالت أختها أسماء (اسم مستعار) (27 سنة): “كانوا يسألوننا أين الأسلحة التي أدخلتها هبة إلى منزلنا، وبقينا نتوسل إليهم ونقسم لهم بأغلظ الأيمان أن هبة بريئة، ولا يوجد ما يربطها بعمل زوجها مع الحوثيين”. وأضافت متسائلة: “ما الجرم الذي اقترفناه حتى نهان بهذه الطريقة أمام الناس في الشارع، وتُعتقل أختي، وتُنهب كل أجهزتنا الإلكترونية؟!”[5].
كان زوج هبة جندياً لدى الحوثيين، لكن هبة لم تكن متورطة في عمل زوجها.
- في مساء يوم الثلاثاء 14 أغسطس/ آب 2018، اختطف مسلحان يرتديان زياً مدنياً ويتبعان أنصار الله (الحوثيين) كمال الشاوش (مساعد بحث ميداني لدى “مواطنة”) حين كان في أحد المقاهي الشعبية في شارع صنعاء وسط مدينة الحديدة.
جرّ المسلحان الشاوش إلى سيارة خاصة لونها ذهبي، واقتاداه معصوب العينين إلى مكان مجهول، وبعد أن أجرت “مواطنة” العديد من الاتصالات تبين لاحقاً أنه محتجز تعسفياً في سجن جهاز الأمن السياسي بالحديدة، ولم يُتهم أو يعطى مذكرة توقيف أو مسوغ قانوني لاحتجازه.[6]
وبعد جهود مضنية بذلتها “مواطنة” أُفرج عن الشاوش بعد 43 يوماً من الاحتجاز التعسفي.
- في واقعة احتجاز أخرى حدثت في ظهيرة يوم الثلاثاء 18 سبتمبر/ أيلول 2018، اعترض طريق علي الشرعبي (47 سنة) بالقرب من منزله في صنعاء مشرفٌ يتبع أنصار الله (الحوثيين) برفقة مرافقين اثنين له، واحتجزوه قرابة الشهرين .
طلب مشرف الحوثيين من علي التوجه معهم إلى قسم شرطة السنينة، مديرية معين، أمانة العاصمة (صنعاء)، حيث تم احتجازه هناك لمدة خمسة أيام، ثم نُقل إلى البحث الجنائي لمدة يومين، حُوّل بعدها إلى جهاز الأمن القومي. وفي مساء يوم الجمعة 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، تزامناً مع دعوة ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي للمشاركة في احتجاجات تحت اسم “ثورة الجياع”، بثت قناة المسيرة التابعة لأنصار الله (الحوثيين) مقطعاً متلفزاً للشرعبي وهو في المعتقل، ووصفه مقدم الخبر أنه “أحد أخطر عناصر خلايا التخريب التي تديرها قوىً خارج اليمن”. ويظهر الشرعبي في الفيديو متعباً يقول بأنه على تواصل مع أحزاب خارج اليمن من أجل تنظيم تحركات جماهيرية تحت يافطة (ثورة الجياع).
قال صديق علي، محمد علي ودف (48 سنة): “علي الشرعبي شخص معروف بصراحته، هو يقول كل ما يقتنع به صراحةً وأمام الجميع، لكنه لم يكن يعمل لحساب أي طرف. ولو كان كذلك لما بقي هنا في صنعاء”.
تم الإفراج عن علي الشرعبي يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
[1] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع أحد أقارب الضحية، تاريخ 23 يوليو/ تموز 2018.
[2] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع أحد أقارب الضحية، تاريخ 3 أغسطس/ آب 2018.
[3] السابق.
[4] السابق.
[5] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع أحد أقارب الضحية، تاريخ 19 أغسطس/ آب 2018.
[6] مقابلة مواطنة لحقوق الإنسان مع شاهد عيان، بتاريخ 14 أغسطس/ آب 2018 . ولمزيد من المعلومات حول الانتهاك يمكنك العودة إلى بيان “مواطنه” أصادر بتأريخ 15 أغسطس/ آب 2018،متاح على : http://mwatana.org/ansar-allah-must-immediately-release-kamal-al-shawish-our-fra/